ما كنت مسلطا عليه، فلا أمر لي، ولا نهي. ثم أخبر سبحانه إنه يقول للملائكة:
(خذوه فغلوه) أي أوثقوه بالغل وهو أن تشد إحدى يديه ورجليه إلى عنقه بجامعة (ثم الجحيم صلوه) أي ثم أدخلوه النار العظيمة، وألزموه إياها (ثم في سلسلة ذرعها) أي طولها (سبعون ذراعا فاسلكوه) أي اجعلوه فيها، لأنه يؤخذ عنقه فيها، ثم يجر بها. قال الضحاك: إنما تدخل في فيه، وتخرج من دبره. فعلى هذا يكون المعنى: ثم اسلكوا السلسلة فيه، فقلب كما يقال. أدخلت القلنسوة في رأسي.
وقال الأعشى: (إذا ما السراب ارتدى بالأكم) (1) وإنما ارتدى الأكم بالسراب، ولكنه قلب. وقال نوف البكالي: كل ذراع سبعون باعا، والباع أبعد مما بينك وبين مكة، وكان في رحبة الكوفة. وقال الحسن: الله أعلم بأي ذراع هو. وقال سويد بن نجيح. إن جميع أهل النار في تلك السلسلة، ولو أن حلقة منها وضعت على جبل لذاب من حرها.
ثم قال سبحانه: (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم) شأنه أي لم يكن يوحد الله في دار التكليف، ولا يصدق به (ولا يحض على طعام المسكين) وهو المحتاج الفقير.
والمعنى: إنه كان يمنع الزكاة، والحقوق الواجبة (فليس له اليوم ههنا حميم) أي صديق ينفعه (ولا طعام) أي ولا له اليوم طعام (إلا من غسلين) وهو صديد أهل النار، وما يجرى منهم، فالطعام هو ما هئ للأكل، ولذلك لا يسمى التراب طعاما للإنسان. فلما هئ الصديد لأكل أهل النار، كان ذلك طعاما لهم. وقيل: إن أهل النار طبقات: فمنهم من طعامه غسلين. ومنهم من طعامه الزقوم. ومنهم من طعامه الضريع، لأنه قال في موضع آخر (ليس لهم طعام إلا من ضريع). وقيل: يجوز أن يكون الضريع هو الغسلين، فعبر عنه بعبارتين، عن قطرب. وقيل: يجوز أن يكون المراد ليس لهم طعام إلا من ضريع، ولا شراب إلا من غسلين، كما قال الشاعر:
علفتها تبنا، وماء بارد * (2)، حتى شقت همالة عيناها