وجبرائيل والرسول، يحكون ذلك. وإنما أسنده إليهم من حيث إن ما يسمع منهم كلامهم. فلما كان حكاية كلام الله قيل: هو كلام الله على الحقيقة في العرف. قال الجبائي: والرسول الكريم جبرائيل. والكريم: الجامع لخصال الخير. (وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون) قول الشاعر ما ألفه بوزن، وجعله مقفى، وله معنى. وقول (الكاهن السجع، وهو كلام متكلف يضم إلى معنى يشاكله، طهره الله سبحانه من الشعر، والكهانة، وعصمه عنهما. وإنما منعه سبحانه من الشعر، ونزهه عنه، لأن الغالب من حال الشعر أن يدعو إلى الهوى، ويبعث على الشهوة. والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما يأتي بالحكم التي يدعو إليها العقل، للحاجة إلى العمل عليها، والاهتداء بها. وأيضا فإنه سبحانه منعه من قول الشعر، دلالة على أن القرآن ليس بصفة الكلام المعتاد بين الناس، وأنه ليس بشعر، بل هو صنف من الكلام، خارج عن الأنواع المعتادة. وإذا بعد عما جرت به العادة في تأليف الكلام، فذلك أدل على إعجازه. وقوله (قليلا ما تؤمنون) معناه: لا تصدقون بأن القرآن من عند الله تعالى. يريد بالقليل نفي إيمانهم أصلا، كما تقول لمن لا يزورك: قل ما تأتينا، وأنت تريد لا تأتينا أصلا. فالمعنى: لا تؤمنون به، ولا تتذكرون، ولا تتفكرون فتعلموا المعجز، وتفصلوا بينه وبين الشعر والكهانة.
(تنزيل من رب العالمين) بين أنه منزل من عنده على لسان جبرائيل حتى لا يتوهم أنه كلام جبرائيل. (ولو تقول علينا) محمد (بعض الأقاويل) معناه ولو كذب علينا، واختلق ما لم نقله، أي لو تكلف القول، وأتى به من عند نفسه (لأخذنا منه باليمين) أي لأخذنا بيده التي هي اليمين على وجه الإذلال، كما يقول السلطان: يا غلام خذ بيده. فأخذها إهانة، عن ابن جرير. وقيل: معناه لقطعنا يده اليمنى، عن الحسن، وأبي مسلم. فعلى هذا تكون الباء مزيدة، أي لأخذنا منه اليمين. وقيل. معناه لأخذنا منه بالقوة والقدرة، أي لأخذناه ونحن قادرون عليه، مالكون له، عن الفراء والمبرد والزجاج. وإنما أقام اليمين مقام القوة والقدرة، لأن قوة كل شئ في ميامنه، عن ابن قتيبة.
(ثم لقطعنا منه الوتين) أي ولكنا نقطع منه وتينه ونهلكه. قال مجاهد وقتادة.
هو عرق في القلب متصل بالظهر. وقيل: هو حبل القلب (فما منكم من أحد عنه حاجزين) أي فما منكم أحد يحجزنا عنه، والمعنى: إنه لا يتكلف الكذب لأجلكم