طريق ما يدل على خبر التجارة، لا على نفس الخبر. إذ الفعل يدل على مصدره، وإنما انعقاده بالتجارة في المعنى لا في اللفظ. وفي ذلك توطئة لما يبنى على المعنى في الإيجاز (1). والعرب تقول: هل لك في خير تقوم إلى فلان فتعوده، وأن تقوم إليه. وقوله: (يغفر لكم ذنوبكم) في كونه مجزوما وجهان أحدهما: إنه جواب (هل أدلكم)، وهو قول الفراء. وأنكره أصحابنا البصريون وقالوا: إن الدلالة على التجارة، لا توجب المغفرة والاخر: إنه محمول على المعنى، لأن قوله (تؤمنون بالله) معناه آمنوا بالله ورسوله، وجاهدوا في سبيله، وهو أمر جاء على لفظ الخبر، ويدل على ذلك قراءة عبد الله بن مسعود (آمنوا بالله وجاهدوا)، ولا يمتنع أن يأتي الأمر بلفظ الخبر، كما أتى الخبر بلفظ الأمر في قوله: (فليمدد له الرحمن مدا) المعنى: فمد له الرحمن مدا، لأن القديم تعالى لا يأمر نفسه. ومثل ذلك (أسمع بهم وأبصر) لفظه أمر، ومعناه خبر. ويجوز أن يكون قوله (تؤمنون) مرفوعا بسقوط أن، والموصول والصلة في موضع جر على البدل من (تجارة) وتقديره: هل أدلكم على تجارة إيمان بالله. وقوله وأخرى: في موضع جر بأنها صفة لموصوف محذوف مجرور بالعطف علي تجارة، تقديره وعلى تجارة أخرى محبوبة. وقال الزجاج:
تقديره ولكم تجارة أخرى. فعلى هذا يكون (أخرى) صفة موصوف محذوف، مرفوع بالابتداء. و (تحبونها): صفة بعد صفة. و (نصر): خبر مبتدأ محذوف تقديره: هي نصر من الله. (من أنصاري إلى الله) إلى ههنا بمعنى مع أي: مع الله.
المعنى: لما تقدم ذكر الرسول، عقبه سبحانه بذكر الدعاء إلى قبول قوله، ونصرته، والعمل بشريعته فقال: (يا أيها الذين آمنوا) وهو خطاب للمؤمنين على العموم. وقيل: هو خطاب لمن تقدم ذكرهم في أول السورة (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) صورته صورة العرض، والمراد به الأمر، على سبيل التلطف في الاستدعاء إلى الإخلاص في الطاعة، والمعنى: هل ترغبون في تجارة منجية من العذاب الأليم، وهو الإيمان بالله، ورسوله، والجهاد في سبيل الله بالمال والنفس، وذلك قوله (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) وإنما أنزل هذا لما قالوا: لو نعلم أي الأعمال أفضل وأحب إلى الله،