دائم يوم القيامة (الله الذي أنزل الكتاب) أي القرآن (بالحق) أي بالصدق فيما أخبر به من ماض ومستقبل. وقيل: بالحق أي بالأمر والنهي، والفرائض والأحكام، وكله حق من الله (والميزان) أي وأنزل الله العدل، والميزان عبارة عن العدل، كنى به عنه، عن ابن عباس وقتادة ومجاهد ومقاتل. وإنما سمي العدل ميزانا، لأن الميزان آلة الانصاف والتسوية بين الخلق. وقيل: أراد به الميزان المعروف، وأنزله الله من السماء، وعرفهم كيف يعملون به بالحق، وكيف يزنون به، عن الجبائي. وقيل:
الميزان محمد صلى الله عليه وآله وسلم يقضي بينهم بالكتاب، عن علقمة. ويكون على التوسع والتشبيه.
ولما ذكر العدل، أتبعه بذكر الساعة فقال: (وما يدريك لعل الساعة قريب) أي وما يدريك يا محمد، ولا غيرك، لعل مجئ الساعة قريب. وإنما أخفى الله الساعة، ووقت مجيئها على العباد، ليكونوا على خوف، وليبادروا إلى التوبة. ولو عرفهم مجيئها، لكانوا مغرين بالقبائح قبل ذلك، تعويلا على التلافي بالتوبة.
(يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها) لجهلهم بأحوالها وأهوالها، فلا يخافون ما فيها، إذ لم يؤمنوا بها، فهم يطلبون قيامها إبعادا لكونها.
(والذين آمنوا مشفقون منها) أي: خائفون من مجيئها، وهم غير متأهبين لها. (ويعلمون أنها الحق) أي أن مجيئها الحق الذي لا خلف فيه. (ألا إن الذين يمارون) أي تدخلهم المرية والشك. (في الساعة) فيخاصمون في مجيئها على وجه الانكار لها. (لفي ضلال) عن الصواب (بعيد) حين لم يذكروا فيعلموا أن الذي خلقهم أولا، قادر على بعثهم.
ثم قال: (الله لطيف بعباده) أي حفي بار بهم رفيق، عن ابن عباس وعكرمة والسدي. وقيل: اللطيف العالم بخفيات الأمور والغيوب. والمراد به هنا: الموصل المنافع إلى العباد من وجه يدق إدراكه، وذلك في الأرزاق التي قسمها الله لعباده، وصرف الآفات عنهم، وإيصال السرور والملاذ إليهم، وتمكينهم بالقدر والآلات، إلى غير ذلك من ألطافه التي لا يوقف على كنهها لغموضها.
ثم قال سبحانه: (يرزق من يشاء) أي يوسع الرزق على من يشاء، يقال:
فلان مرزوق إذا وصف بسعة الرزق وقيل: معناه يرزق من يشاء في خفض ودعة، ومن يشاء في كد ومشقة ومتعبة، وكل من رزقه الله من ذي روح، فهو ممن شاء الله