محمد بن مسلمة أخوك، جئتك أستقرض منك دراهم، فإن محمدا يسألنا الصدقة، وليس معنا الدراهم. فقال (1): لا أقرضك إلا بالرهن. قال: معي رهن انزل فخذه.
وكانت له امرأة بنى بها تلك الليلة عروسا، فقالت: لا أدعك تنزل، لأني أرى حمرة الدم في ذلك الصوت، فلم يلتفت إليها.
فخرج فعانقه محمد بن مسلمة، وهما يتحادثان، حتى تباعدا من القصر إلى الصحراء، ثم أخذ رأسه، ودعا بقومه، وصاح كعب، فسمعت امرأته، فصاحت، وسمع نجر النضير صوتها، فخرجوا نحوه، فوجدوه قتيلا، ورجع القوم سالمين إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
فلما أسفر الصبح، أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بقتل كعب، ففرحوا. وأمر رسول الله بحربهم، والسير إليهم. فسار بالناس حتى نزل بهم، فتحصنوا منه في الحصن. فامر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقطع النخل، والتحريق فيها. فنادوا (2) يا محمد! قد كنت تنهى عن الفحشاء، فما بالك تقطع النخل وتحرقها؟ فانزل الله:
(ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها) الآية، وهي البويرة في قول حسان:
وهان على سراة بني لوى، حريق بالبويرة مستطير والبويرة: تصغير بؤرة، وهي إرة النار أي حفرتها. وقال ابن عباس: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاصرهم حتى بلغ منهم كل مبلغ، فاعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم، وأن يسيرهم إلى أذرعات بالشام. وجعل لكل ثلاثة منهم بعير، أو سقاء. فخرجوا إلى أذرعات بالشام وأريحا، إلا أهل بيتين منهم آل أبي الحقيق، وآل حيي بن أخطب، فإنهم لحقوا بخيبر، ولحقت طائفة منهم بالحيرة، وكان ابن عباس يسمي هذه السورة سورة بني النضير. وعن محمد بن مسلمة: إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثه إلى بني النضير، وأمره أن يؤجلهم في الجلاء ثلاث ليال. وعن محمد بن إسحاق: كان إجلاء بني النضير مرجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أحد، وكان فتح قريظة مرجعه من الأحزاب، وبينهما سنتان.