قال: (عرضها كعرض السماء والأرض) والجنة المخلوقة في السماء السابعة، فلا تنافي.
(أعدت للذين أمنوا) أي ادخرت وهيئت للمؤمنين (بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) معناه: إنه يجزي الدائم الباقي على القليل الفاني، ولو اقتصر في الجزاء على قدر ما يستحق بالأعمال، كان عدلا منه، لكنه تفضل بالزيادة. وقيل:
معناه أن أحدا لا ينال خيرا في الدنيا والآخرة، إلا بفضل الله، فإنه سبحانه لو لم يدعنا إلى الطاعة، ولم يبين لنا الطريق، ولم يوفقنا للعمل الصالح، لما اهتدينا إليه، وذلك كله من فضل الله. وأيضا فإنه سبحانه تفضل بالأسباب التي يفعل بها الطاعة، من التمكين، والالطاف، وكمال العقل، وعرض المكلف للثواب.
فالتكليف أيضا تفضل، وهو السبب الموصل إلى الثواب. وقال أبو القاسم البلخي، والبغداديون من أهل العدل: إن الله سبحانه وتعالى، لو اقتصر لعباده في طاعاتهم على مجرد احساناته السالفة إليهم، لكان عدلا، فلهذا جعل سبحانه الثواب والجنة فضلا. وفي هذه الآية أعظم رجاء لأهل الإيمان، لأنه ذكر أن الجنة معدة للمؤمنين، ولم يذكر مع الإيمان شيئا آخر.
(والله ذو الفضل العظيم) أي ذو الإفضال العميم، والإحسان الجسيم إلى عباده. ثم قال: (ما أصاب من مصيبة في الأرض) مثل قحط المطر، وقلة النبات، ونقص الثمرات (ولا في أنفسكم) من الأمراض والثكل بالأولاد (إلا في كتاب) يعني إلا وهو مثبت مذكور في اللوح المحفوظ (من قبل أن نبرأها) أي من قبل أن نخلق الأنفس. المعنى: إنه تعالى أثبتها في اللوح المحفوظ قبل أن يخلق الأنفس ليستدل ملائكته به على أنه عالم لذاته يعلم الأشياء بحقائقها. (إن ذلك على الله يسير) أي إثبات ذلك على كثرته، هين على الله، يسير سهل، غير عسير.
ثم بين سبحانه لم فعل ذلك، فقال: (لكيلا تأسوا على ما فاتكم) أي فعلنا ذلك لئلا تحزنوا على ما يفوتكم من نعم الدنيا (ولا تفرحوا بما آتكم) أي بما أعطاكم الله منها، والذي يوجب نفي الأسى والفرح من هذأ أن الانسان إذا علم أن ما فات منها ضمن الله تعالى عليه العوض (1) في الآخرة، فلا ينبغي أن يحزن لذلك، (1) في المخطوطة بدل عليه العوض في الآخرة: العوض في غيره.