هذا المعنى. وأنه قد عرف آخذ الميثاق، وأن الله قد أخذه. وحجة النصب في (كلا وعد الله الحسنى) بين، لأنه بمنزلة زيدا وعدت خيرا. وحجة ابن عامر أن الفعل إذا تقدم عليه مفعوله، لم يقو عمله في قوته إذا تأخر. ألا ترى أنهم قالوا في الشعر (1): زيد ضربت. ولو تأخر المفعول فوقع بعد الفاعل، لم يجز ذلك فيه.
ومما جاء من ذلك في الشعر، قوله:
قد أصبحت أم الخيار تدعي علي ذنبا كله لم أصنع فرووه بالرفع لتقدمه على الفعل، وإن لم يكن شئ يمنع من تسلط الفعل عليه، فكذلك قوله (وكل وعد الله الحسنى) يكون على إرادة الهاء وحذفها، كما يحذف من الصفات والصلات.
المعنى: ثم خاطب سبحانه المكلفين فقال: (آمنوا بالله) معاشر العقلاء أي صدقوا الله، وأقروا بوحدانيته، وإخلاص العبادة له (ورسوله) أي وصدقوا رسوله، واعترفوا بنبوته. (وأنفقوا) في طاعة الله، والوجوه التي أمركم بالإنفاق فيها. (مما جعلكم مستخلفين فيه) أي من المال الذي استخلفكم الله فيه بوراثتكم إياه عمن قبلكم، عن الحسن. ونبه سبحانه بهذا على أن ما في أيدينا يصير لغيرنا، كما صار إلينا ممن قبلنا، وحثنا على استيفاء الحظ منه قبل أن يصير (2) لغيرنا.
ثم بين سبحانه ما يكافيهم على ذلك إذا فعلوه فقال: (فالذين آمنوا منكم) بالله ورسوله (وأنفقوا) في سبيله (لهم أجر كبير) أي جزاء، وثواب عظيم دائم لا يشوبه كدر ولا تنغيص، ثم وبخهم سبحانه فقال: (وما لكم لا تؤمنون بالله) أي:
وأي شئ يمنعكم من الإيمان بالله، مع وضوح الدلائل على وحدانيته. (والرسول يدعوكم) إلى ما ركب الله في عقولكم، من معرفة الصانع وصفاته (لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم) بما أودع الله في قلوبكم من دلالات العقل الموصلة إلى الإيمان به، فإن الميثاق هو الأمر المؤكد الذي يجب العمل به.
(إن كنتم مؤمنين) أي: إن كنتم مصدقين بحق، فالآن فقد ظهرت أعلامه، ووضحت براهينه. والمعنى: أي عذر لكم في ترك الإيمان، وقد أزاحت (3) العلل،