فيكتبانه كما يكتب المملى عليه (عن اليمين وعن الشمال قعيد) أراد عن اليمين قعيد، وعن الشمال قعيد، فاكتفى بأحدهما عن الآخر. والمراد بالقعيد هنا:
الملازم الذي لا يبرح، لا القاعد الذي هو ضد القائم. وقيل: عن اليمين كاتب الحسنات، وعن الشمال كاتب السيئات، عن الحسن ومجاهد. وقيل: الحفظة أربعة ملكان بالنهار، وملكان بالليل، عن الحسن.
(ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد) أي ما يتكلم بكلام فيلفظه أي: يرميه من فيه إلا لديه حافظ حاضر معه، يعني الملك الموكل به. إما صاحب اليمين، وإما صاحب الشمال، يحفظ عمله، لا يغيب عنه. والهاء في (لديه): تعود إلى القول، أو إلى القائل. وعن أبي إمامة عن النبي (ص) قال: إن صاحب الشمال ليرفع القلم ست ساعات عن العبد المسلم المخطئ، أو المسئ، فإن ندم واستغفر الله منها، ألقاها، ولا كتب واحدة). وفي رواية أخرى قال: " صاحب اليمين أمير على صاحب الشمال، فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين بعشر أمثالها، وإذا عمل سيئة فأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال له صاحب اليمين: أمسك فيمسك عنه سبع ساعات، فإن استغفر الله منها لم يكتب عليه شئ، وإن لم يستغفر الله كتب له سيئة واحدة ". وعن انس بن مالك قال: قال رسول الله (ص): " إن الله تعالى وكل بعبده ملكين يكتبان عليه، فإذا مات قالا: يا رب قد قبضت عبدك فلانا فإلى أين؟
قال: سمائي مملؤة بملائكتي يعبدونني، وأرضي مملوءة من خلقي يطيعونني، إذهبا إلى قبر عبدي فسبحاني، وكبراني، وهللاني، فاكتبا ذلك في حسنات عبدي إلى يوم القيامة ".
(وجاءت سكرة الموت بالحق) أي جاءت غمرة الموت وشدته التي تغشى الانسان، وتغلب على عقله بالحق أي أمر الآخرة حتى عرفه صاحبه، واضطر إليه.
وقيل: معناه جاءت سكرة الموت بالحق الذي هو الموت، قال مقاتل: يعني إنه حق كائن. والمراد: إن هذه السكرة قد قربت منكم فاستعدوا لها، فهي لقربها كالحاصلة، مثل قوله تعالى: (أتى أمر الله). وروي أن عائشة قالت عند وفاة أبي بكر:
لعمرك ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت (1) يوما، وضاق بها الصدر