وأبي الذي ترك الملوك، وجمعهم، * بفعال هامدة كأمس الدابر (1) والآخر: إنه محمول على أنه بمعنى الرجس الذي هو النجاسة على البدل للمقاربة. ومعنى النجاسة فيه قوله (ويسقى من ماء صديد يتجرعه ولا يكاد يسيغه) فكأن المعنى لهم عذاب من تجرع رجس، أو شرب رجس. فتكون (من) تبيينا للعذاب مم هو؟ ومن قرأ (ليجزي) بالياء، فحجته أن ذكر الله قد تقدم في قوله:
(لا يرجون أيام الله)، فيكون فاعل (يجزي). ومن قرأ بالنون، فالنون في معنى الياء، وإن كانت الياء أشد مطابقة لما في اللفظ. ومن قرأ (ليجزي قوما)، فقال أبو عمرو: إنه لحسن ظاهر. وذكر أن الكسائي قال: إن معناه ليجزي الجزاء قوما. قال الجامع البصير: معناه ليجزي الخير قوما. فأضمر الخير لدلالة الكلام عليه. وليس التقدير: ليجزي الجزاء قوما، لأن المصدر لا يقوم مقام الفاعل، ومعك مفعول صحيح. فإذا الخبر مضمر كما أضمر الشمس في قوله (حتى توارت بالحجاب) لأن قوله: (إذ عرض عليه بالعشي) يدل على تواري الشمس.
المعنى: ثم قال سبحانه: (هذا هدى) أي هذا القرآن الذي تلوناه، والحديث الذي ذكرناه، هدى أي دلالة موصلة إلى الفرق بين الحق والباطل من أمور الدين والدنيا (والذين كفروا بآيات ربهم) وجحدوها (لهم عذاب من رجز أليم) مر معناه. ثم نبه سبحانه خلقه على وجه الدلالة على توحيده، فقال: (الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره) أي جعله على هيئته (2) لتجري السفن فيه (ولتبتغوا من فضله) أي ولتطلبوا بركوبه في أسفاركم من الأرباح بالتجارات.
(ولعلكم تشكرون) له هذه النعمة (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض) أي سخر لكم مع ذلك معاشر الخلق، ما في السماوات من الشمس والقمر والنجوم والمطر والثلج والبرد، وما في الأرض من الدواب والأشجار والنبات والأثمار والأنهار. ومعنى تسخيرها لنا: أنه تعالى خلقها جميعا لانتفاعنا بها، فهي مسخرة لنا من حيث إنا ننتفع بها على الوجه الذي نريده.
وقوله (جميعا منه) قال ابن عباس: أي كل ذلك رحمة منه لكم. قال