على تعقيب نجاح رأيه أيام كنت أؤدي إليه من تكلف تعليمي إياه ما أصبحت قاضيا على نفسي بالحاجة إلى تعلمه منه. ومهما يكن منى إليه في ذلك، فإنما هو عقل مردود إلى عقله، مستنبطة أو إليه وتواليه من علمه وحكمته. وقد جلا إلى كتاب الملك ومخاطبته إياي ومسألته لي عما لا يتخالجني الشك في لقاح ذلك وإنتاجه من عنده، فعنه صدر وعليه ورد و أنا فيما أشير به على الملك - وإن اجتهدت فيه واحتشدت له، وتجاوزت حد الوسع والطاقة منى في استنظافه واستقصائه - كالعدم مع الوجود بل كما لا يتجزأ في جنب معظم الأشياء ولكني غير ممتنع من إجابة الملك إلى ما سأل، مع علمي ويقيني بعظيم غناه عنى، وشدة فاقتي إليه، وأنا راد إلى الملك ما اكتسبته منه، ومشير عليه بما أخذته، منه فقائل له:
إن لكل تربة لا محاله قسما من الفضائل، وإن لفارس قسمها من النجدة والقوة، وإنك ان تقتل أشرافهم تخلف الوضعاء على أعقابهم، وتورث سفلتهم على منازل عليتهم، وتغلب أدنياءهم على مراتب ذوي أخطارهم، ولم يبتل الملوك قط ببلاء هو أعظم عليهم وأشد توهينا لسلطانهم من غلبة السفلة، وذل الوجوه فاحذر الحذر كله أن تمكن تلك الطبقة من الغلبة والحركة، فإنه إن نجم منهم بعد اليوم على جندك وأهل بلادك ناجم دهمهم منه ما لا روية فيه، ولا بقية معه فانصرف عن هذا الرأي إلى غيره، واعمد إلى من قبلك من أولئك العظماء والأحرار، فوزع بينهم مملكتهم، وألزم اسم الملك كل من وليته منهم ناحيته، واعقد التاج على رأسه وإن صغر ملكه، فإن المتسمى بالملك لازم لاسمه والمعقود التاج على رأسه لا يخضع لغيره، فليس ينشب (1) ذلك أن يوقع كل ملك منهم بينه وبين صاحبه تدابرا وتقاطعا وتغالبا على الملك، وتفاخرا بالمال والجند، حتى ينسوا بذلك أضغانهم عليك وأوتارهم فيك، ويعود حربهم لك حربا .