جاء به وشهرته لسوء بلائه وقلة ارعوائه ووفائه، ثم أمرنا بجمع من كان هناك من أولاد ملوكهم وأحرارهم وذوي الشرف منهم، فرأينا رجالا (1) عظيمة أجسامهم وأحلامهم، حاضرة ألبابهم وأذهانهم، رائعة مناظرهم ومناطقهم، دليلا على أن ما يظهر من روائهم و منطقهم أن وراءه من قوة أيديهم، وشدة نجدتهم وبأسهم ما لم يكن ليكون لنا سبيل إلى غلبتهم وإعطائهم بأيديهم، لولا أن القضاء أدالنا منهم، وأظفرنا بهم وأظهرنا عليهم، ولم نر بعيدا من الرأي في أمرهم أن نستأصل شأفتهم، ونجتث أصلهم ونلحقهم بمن مضى من أسلافهم، لتسكن القلوب بذلك الامن إلى جرائرهم وبوائقهم، فرأينا ألا نجعل بإسعاف بادي الرأي في قتلهم دون الاستظهار عليهم بمشورتك فيهم. فارفع إلينا رأيك فيما استشرناك فيه بعد صحته عندك، وتقليبك إياه بجلي نظرك، وسلام أهل السلام، فليكن علينا وعليك.
فكتب إليه أرسطو:
لملك الملوك، وعظيم العظماء، الإسكندر المؤيد بالنصر على الأعداء، المهدى له الظفر بالملوك، من أصغر عبيده وأقل خوله، أرسطو طاليس البخوع بالسجود والتذلل في السلام، والاذعان في الطاعة:
أما بعد، فإنه لا قوة بالمنطق وإن احتشد الناطق فيه، واجتهد في تثقيف معانيه، وتأليف حروفه ومبانيه على الإحاطة بأقل ما تناله القدرة من بسطة علو الملك وسمو ارتفاعه عن كل قول، وإبرازه على كل وصف، واغترافه بكل إطناب. وقد كان تقرر عندي من مقدمات إعلام فضل الملك في صهلة سبقه، وبروزه شأوه، ويمن نقيبته، مذ أدت إلى حاسة بصري صورة شخصه، واضطرب في حس سمعي صوت لفظه، ووقع وهمي .