وأي شبهة تبقى بعد قول أبى بكر: ليتني كنت سألته: هل للأنصار في هذا الامر حق فكنا لا ننازعه أهله؟ ومعلوم أن التنازع لم يقع بينهم إلا في الإمامة نفسها، لا في حق آخر من حقوقها.
فأما قوله: إنا قد بينا أنه لم يكن منه في بيت فاطمة ما يوجب أن يتمنى أنه لم يفعله، فقد بينا فساد ما ظنه فيما تقدم.
فأما قوله: إن من اشتد التكليف عليه قد يتمنى خلافه، فليس بصحيح، لأن ولاية أبى بكر إذا كانت هي التي اقتضاها الدين، والنظر للمسلمين في تلك الحال وما عداها كان مفسدة ومؤديا إلى الفتنة، فالتمني لخلافها لا يكون إلا قبيحا (1).
* * * قلت: أما قول قاضي القضاة: إن هذا التمني لا يقتضى الشك في أن الإمامة لا تكون إلا في قريش، كما أن قول إبراهيم: (ولكن ليطمئن قلبي)، لا يقتضى الشك في أنه تعالى قادر على ذلك فجيد.
فأما قول المرتضى: إنما ساغ أن يعدل عن الظاهر في حق إبراهيم لأنه نبي معصوم لا يجوز عليه الشك، فيقال له: وكذلك ينبغي أن يعدل عن ظاهر كلام أبى بكر، لأنه رجل مسلم عاقل، فحسن الظن به يقتضى صيانة أفعاله وأقواله عن التناقض. قوله: إن إبراهيم قد نفى عن نفسه الشك بقوله: " بلى ولكن ليطمئن قلبي " قلنا: إن أبا بكر قد نفى عن نفسه الشك بدفع الأنصار عن الإمامة وإثباتها في قريش خاصة، فإن كانت لفظة " بلى " دافعة لشك إبراهيم الذي يقتضيه قوله: (ولكن ليطمئن قلبي)، ففعل أبى بكر وقوله يوم السقيفة .