وأما الكلام في قوله: " أقيلوني "، فلو صح الخبر لم يكن فيه مطعن عليه، لأنه إنما أراد في اليوم الثاني اختبار حالهم في البيعة التي وقعت في اليوم الأول ليعلم وليه من عدوه منهم، وقد روى جميع أصحاب السير أن أمير المؤمنين خطب في اليوم الثاني من بيعته فقال: أيها الناس، إنكم بايعتموني على السمع والطاعة وأنا أعرض اليوم عليكم ما دعوتموني إليه أمس، فإن أجبتم قعدت لكم، وإلا فلا أجد على أحد. وليس بجيد قول المرتضى: أنه لو كان يريد العرض والبذل لكان قد قال كذا وكذا. فإن هذه مضايقة منه شديدة للألفاظ، ولو شرعنا في مثل هذا لفسد أكثر ما يتكلم به الناس.
على أنا لو سلمنا أنه استقالهم البيعة حقيقة، فلم قال المرتضى: إن ذلك لا يجوز؟ أليس يجوز للقاضي أن يستقيل من القضاء بعد توليته (1) إياه، ودخوله فيه! فكذلك يجوز للامام أن يستقيل من الإمامة إذا انس من نفسه ضعفا عنها، أو أنس من رعيته نبوة عنه، أو أحس بفساد ينشأ في الأرض من جهة ولايته على الناس، ومن يذهب إلى أن الإمامة تكون بالاختيار كيف يمنع من جواز استقالة الامام وطلبه إلى الأمة أن يختاروا غيره لعذر يعلمه من حال نفسه! وإنما يمنع من ذلك المرتضى وأصحابه القائلون بأن الإمامة بالنص، وإن الامام محرم عليه ألا يقوم بالإمامة، لأنه مأمور بالقيام بها لتعينه خاصة دون كل أحد من المكلفين. وأصحاب الاختيار يقولون: إذا لم يكن زيد إماما كان عمرو إماما عوضه، لأنهم لا يعتبرون الشروط التي يعتبرها الامامية من العصمة، وأنه أفضل أهل عصره وأكثرهم ثوابا وأعلمهم وأشجعهم، وغير ذلك من الشروط التي؟ تقتضي تفرده وتوحده بالامر، على أنه إذا جاز عندهم أن يترك الامام الإمامة في الظاهر كما فعله الحسن، وكما فعله غيره من الأئمة بعد الحسين (عليه السلام) للتقية جاز للامام .