وبين اليهود كتابا وصالحهم فيه على أن لا يهاجموا ويتركوا أمرهم وكان ابن صياد منهم أو دخيلا في جملتهم، وكان يبلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم خبره وما يدعيه من الكهانة ويتعاطاه من الغيب فامتحنه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ليروض قوله أمره ويخبر شأنه، فلما كلمه علم أنه مبطل وأنه من جملة السحرة أو الكهنة أو ممن يأتيه رئي من الجن أو يتعاهده شيطان فيلقي على لسانه بعض ما يتكلم انتهى مختصرا.
(ما يأتيك) أي من أخبار الغيب ونحوه (قال) أي ابن صياد (صادق) أي خبر صادق (وكاذب) أي خبر كاذب.
قال القاري وقيل حاصل السؤال أن الذي يأتيك ما يقول لك، ومجمل الجواب أنه يحدثني بشئ قد يكون صادقا وقد يكون كاذبا (خلط عليك الأمر) بصيغة المجهول مشددا للمبالغة والتكثير ويجوز تخفيفه أي شبه عليك الأمر أي الكذب بالصدق.
قال النووي رحمه الله، أي ما يأتيك به الشيطان مخلط.
قال الخطابي: معناه أنه كان له تارات يصيب في بعضها ويخطئ في بعضها فذلك التبس عليه الأمر (قد خبأت لك) أي أضمرت لك في نفسي (خبيئة) أي كلمة مضمرة لتخبرني بها (هو الدخ) قال النووي هو بضم الدال وتشديد الخاء وهي لغة في الدخان، والجمهور على أن المراد بالدخ هنا الدخان وأنها لغة فيه، وخالفهم الخطابي وقال لا معنى للدخان هنا لأنه ليس مما يخبأ في كف أو كم كما قال إلا أن يكون معنى خبأت أضمرت لك اسم الدخان فيجوز، والصحيح المشهور أنه صلى الله عليه وسلم أضمر له آية الدخان وهي قوله تعالى: * (فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين) * قال القاضي وأصح الأقوال أنه لم يهتد من الآية التي أضمرها النبي صلى الله عليه وسلم إلا لهذا اللفظ الناقص على عادة الكهان. إذا ألقى الشيطان إليهم بقدر ما يخطف قبل أن يدركه الشهاب انتهى (اخسأ) بفتح السين وسكون الهمزة كلمة تستعمل عند طرد الكلب من الخسوء وهو زجر الكلب (فلن تعدو) بضم الدال أي فلن تجاوز (قدرك) أي القدر الذي يدركه الكهان من الاهتداء إلى بعض الشيء قاله النووي: وقال الطيبي أي لا تتجاوز عن إظهار الخبيئات على هذا الوجه كما هو دأب الكهنة إلى دعوى النبوة فتقول أتشهد أني رسول الله انتهى (إن يكن) أي