الزهري في هذا الحديث (الله أكبر الله أكبر الله أكبر الله أكبر) أي في ألفاظ الأذان أن التكبير في أول الأذان أربع مرات (وقال معمر ويونس عن الزهري فيه) أي في هذا الحديث (الله أكبر الله أكبر) مرتان لا أربع مرات، وبهذا صرح بقوله (لم يثنيا) من باب التفعيل. قال الجوهري ثنيته تثنية أي جعلته اثنين. وفي اللسان: وثنيت الشئ جعلته اثنين. وقال ابن رسلان: أي لم يثنيا معمر ويونس في الرواية عن الزهري بأن جعله أربعا. وسمي التربيع تثنية لأن الله أكبر الله أكبر كلمة واحدة ولهذا شرع جمع كل تكبيرتين في الأذان بنفس واحد كما ذكره النووي. انتهى.
قلت: وهذا اختلاف على الزهري في التكبير في الأذان، فروى محمد بن إسحاق عن الزهري بتربيع التكبير في أول الأذان، وروى معمر ويونس عن الزهري: الله أكبر الله أكبر مرتان لا أربع مرات، واتفقوا في ألفاظ الإقامة ورواية معمر ويونس أخرجهما البيهقي في سننه الكبرى. وقال الحاكم في المستدرك حديث الزهري عن سعيد المسيب مشهور، رواه يونس بن يزيد ومعمر بن راشد وشعيب بن أبي حمزة ومحمد بن إسحاق وغيرهم وأما اختيار الكوفيين في هذا الباب فمدارها على حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى فمنهم من قال عن معاذ بن جبل أن عبد الله بن زيد، ومنهم من قال عبد الرحمن عن عبد الله ابن زيد عن آبائهم فغير مستقيمة الأسانيد. انتهى. قاله في غاية المقصود. قال الخطابي: روى هذا الحديث والقصة بأسانيد مختلفة وهذا الإسناد أصحها، وفيه أنه ثنى الأذان وأفرد الإقامة، وهو مذهب أكثر علماء الأمصار، وجرى به العمل الحرمين والحجاز وبلاد الشام واليمن وديار مصر ونواحي المغرب إلى أقصى حجر من بلاد الاسلام، وهو قول الحسن البصري ومكحول والزهري ومالك والأوزاعي والشافعي وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وغيرهم، وكذلك حكاه سعد القرطبي. وقد كان أذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته بقباء ثم استخلفه بلال زمن عمر بن الخطاب فكان يفرد الإقامة فلم يزل ولد أبي محذورة وهم الذين يلون الأذان بمكة يفردون الإقامة ويحكونه عن جدهم إلا أنه قد روى في قصة أذان أبي محذورة الذي علمه رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من حنين أن الأذان تسع عشر كلمة والإقامة سبع عشر كلمة. وقد رواه أبو داود في هذا الكتاب إلا أنه قد روي من غير هذه الطريق أنه أفرد الإقامة غير أن التثنية عنه أشهر إلا أن فيه إثبات الترجيع فيشبه أن يكون العمل من أبي محذورة ومن ولده بعده إنما استمر على إفراد الإقامة إما لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بذلك بعد الأمر الأول بالتثنية، وإما لأنه قد بلغة أنه أمر بلالا بإفراد الإقامة فاتبعه، وكان أمر الأذان ينقل من حال إلى حال وتدخله الزيادة والنقصان،