وليس أمور كل الشرع ينقلها رجل واحد، ولا كان وقع بيانها كلها ضربة واحدة. وقيل لأحمد بن حنبل، وكان بأخذ في هذا بأذان بلال أليس أبي محذورة بعد أذان بلال وإنما يؤخذ بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أليس لما عاد المدينة أقر بلالا على أذانه. وكان سفيان الثوري وأصحاب الرأي يرون الأذان والإقامة منه مثنى، على حديث عبد الله بن زيد، من الوجه الذي روى فيه بتثنية الإقامة. انتهى.
قال المنذري: والحديث أخرجه الترمذي وابن ماجة. وقال الترمذي: حديث حسن صحيح.
(عن أبيه) الضمير المجرور لمحمد، وأبوه هو عبد الملك (عن جده) الضمير المجرور لمحمد، وجده أبو محذورة الصحابي (قال) أي أبو محذورة (علمني سنة الأذان) أي طريقته في الشرع. قال الزيلعي: وهو لفظ ابن حبان في صحيحه واختصره الترمذي ولفظه عن أبي محذورة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقعده وألقى عليه الأذان حرفا حرفا. قال بشر: فقلت له أعد علي فوصف الأذان بالترجيع. انتهى. وطوله النسائي وابن ماجة وأوله: خرجت في نفر فلما كنا ببعض الطريق أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن قال: ثم قال لي ارجع فأمدد من صوتك أشهد أن لا إله إلا الله الحديث. قال بعضهم: كان ما رواه أبو محذورة تعليما فظنه ترجيعا. وقال الطحاوي في شرح الآثار: يحتمل أن الترجيع إنما كان لأن أبا محذور لم يمد بذلك صوته كما أراده النبي صلى الله عليه وسلم فقال له عليه السلام: ارجع فامدد من صوتك انتهى. وقال ابن الجوزي في التحقيق: إن أبا محذور كان كافرا قبل أن يسلم، فلما أسلم ولقنه النبي صلى الله عليه وسلم الأذان أعاد عليه الشهادة وكررها ليثبت عنده ويحفظها ويكررها على أصحابه المشركين فإنهم كانوا ينفرون منها خلاف نفورهم من غيرها، فلما كررها عليه ظنها من الأذان فعده تسع عشرة كلمة. انتهى. قال الزيلعي: وهذه الأقوال الثلاثة متقاربة في المعنى، ويردها لفظ أبي داود، قلت يا رسول الله علمني سنة الأذان، وفيه ثم تقول: أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمدا رسول الله تخفض بها صوتك ثم ترفع صوتك بها فجعله من سنة الأذان، وهو كذلك في صحيح ابن حبان ومسند أحمد انتهى كلام الزيلعي.