فإن كانت رواية القنع صحيحة فلا أراه سمي إلا قناع الصوت وهو رفعه، يقال: أقنع الرجل صوته وأقنع رأسه إذا رفعه، وأما القبع بالباء فلا أحسبه سمي قبعا إلا أنه يقبع في صاحبه أي يستره، يقال قبع الرجل رأسه في جيبه إذا أدخله فيه، وسمعت أبا عمر يقول: هو القثع علي بالثاء المثلثة يعني البوق ولم أسمع هذا الحرف من غيره (فلم يعجبه ذلك) أي اتخاذ القنع والشبور (وقال) أي النبي صلى الله عليه وسلم (هو من أمر اليهود) أي الشبور (قال) أي عمومة أبي عمير (فذكر له) أي للنبي صلى الله عليه وسلم (الناقوس) هو خشبة طويلة تضرب بخشبة أصغر منها يجعله النصارى علامة لأوقات صلاتهم (فانصرف عبد الله بن زيد) من عند النبي صلى الله عليه وسلم (وهو) أي عبد الله والواو للحال (مهتم) من الاهتمام أي مقدمة الأذان (لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم) في ذلك. قال في المصباح المنير:
الهم بالفتح أول العزيمة يقال: هممت بالشئ هما إذا أردته ولم تفعله (فأري) أي عبد الله (الأذان في منامه) قال الحافظ في الفتح: الأذان لغة الاعلام. قال الله تعالى: (وأذان من الله ورسوله) واشتقاقه من الأذن بفتحتين وهو الاستماع، وشرعا اعلام بوقت الصلاة بألفاظ مخصوصة. قال القرطبي وغيره: الأذان على قلة ألفاظه مشتمل على مسائل العقيدة لأنه بدأ بالأكبرية وهي تتضمن وجود الله وكماله ثم ثنى بالتوحيد ونفى الشريك، ثم بإثبات الرسالة لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم دعا إلى الطاعة المخصوصة عقب الشهادة بالرسالة لأنها لا تعرف إلا من جهة الرسول، ثم دعا إلى الفلاح وهو البقاء الدائم، وفيه إشارة إلى المعاد، ثم أعاد ما أعاد توكيدا. ويحصل من الأذان اعلام بدخول الوقت والدعاء إلى الجماعة وإظهار شعائر الاسلام. والحكمة في اختيار القول له دون الفعل سهولة القول وتيسره لكل أحد في كل زمان ومكان.
قال الراوي (فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم) أي ذهب عبد الله بن زيد في وقت الغداة إلى النبي صلى الله عليه وسلم (قد رآه) أي الأذان في المنام (فقال له) أي لعمر بن الخطاب (يا بلال قم فانظر ما يأمرك به عبد الله) قال الخطابي: فيه دليل على أن الواجب أن يكون الأذان قائما. انتهى. وقال