العمل يؤمنك من الندم (57) والعاقل من وعظته التجارب وفي التجارب علم مستأنف (58) وفي تقلب الأحوال علم جواهر الرجال، الأيام تهتك لك عن السرائر الكامنة (59)،
(57) من قوله (ع): قد خاطر بنفسه - إلى قوله: والتدبير قبل العمل يؤمنك من الندم - حث وترغيب منه (ع)، على المشاورة في كل أمر لم يتبين غيه من رشده، ونفعه من ضرره، وتبيين منه (ع) على أن في التشاور في كل ما ينبغي التشاور فيه، فائدة لا تزال النفوس تشتاق إليها وترغب فيها، وان في الاستبداد، بالرأي وترك المشاورة والتدبير مفسدة قد جبلت نفوس ذوي الأرواح من الهرب عنها، والفرار منها، فكشف (ع) بقوله: " قد خاطر بنفسه من استغنى برأيه " وبقوله: ومن تورط في الأمور، الخ - اي من دخل فيها بلا رؤية ومشورة - ان المستبد بالرأي وتارك التدبير والاحتياط لا يكون واثقا من النجاح، ولم يأمن من الفظيعة والفضيحة. وصرح بقوله (ع):
من استقبل وجوه الآراء، الخ. وبقوله: التدبير قبل العمل، الخ - إلى أن صاحب المشورة قد يبين له الصواب من الخطاء، والنفع من الخسارة، فهو مقدم على الامر عن بصيرة، فقلبه مطمئن بالريح، وباله مأمون من الندم، وماله محفوظ من التلف.
(58) وقال السبط الشهيدالإمام الحسين عليه السلام: دراسة العلم لقاح المعرفة، وطول التجارب زيادة في العقل، والشرف التقوى، والقنوع راحة الأبدان، ومن أحبك نهاك، ومن أبغضك أغراك. البحار: 17، 151.
وقال سحبان بن وائل: العقل بالتجارب، لان عقل الغريزة سلم إلى عقل التجربة.
وقال أفلاطون: إذا لم تعظك التجربة فلم تجرب بل أنت ساذج كما كنت.
وقال المتكلمون: العقل نوعان: غريزي ومكتسب، فالغريزي العلوم البديهية، والمكتسب ما إفادته التجربة.
(59) الجملة الثانية كالتأكيد للأولى، اي ان في اختلاف الحالات كالقدرة بعد الضعف، والغنى بعد الفقر، والغضب بعد الرضا، والتعب بعد الراحة، والسفر بعد الحضر، يعرف ما في كمون الرجال ونفسياتهم، ولما كان هذا متوقفا على طرو الحالات المختلفة، المتوقفة على مضي الأيام، فالأيام هي الكاشفة للضمائر، الهاتكة لستور السرائر الكامنة في النفوس، المخبوءة في الصدور.