الفائدة الخامسة:
فيما يتعلق بقوله عليه السلام: " أذك بالأدب قلبك، الخ " وبيان حقيقة الأدب.
قيل: الأدب يطلق على العلوم والمعارف مطلقا. وقيل: الأدب اسم لخصوص المستظرف من العلوم ولا يطلق على غيره. وقالوا: الفرق بين الأديب والعالم أن الأديب من يأخذ من كل شئ أحسنه، والعالم من يقصد بفن من العلم فيتعلمه. ولذلك قال علي عليه السلام: العلم أكثر من أن يحصى فخذوا من كل شئ أحسنه. وقيل: الأدب هو الصبر على الغصة حتى تدرك الفرصة.
أقول: الأدب عند أهل الدنيا والذين ضل سعيهم في حياتها وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا عبارة عن تزيين الأقوال الكاذبة بألفاظ طريفة، وتحسين الكلمات الفارغة بعبارات ظريفة، وجذب القلوب بأكاذيب الاشعار، وسحر النفوس بتنميق المقال، وتحبير البيان.
وأما أهل المعنى والروحانيون فالأدب عندهم عبارة عن رياضة النفس على التخلق بمكارم الأخلاق، والتجنب عن مساويها، والتحلي بمحامد الأوصاف، والتخلي عن رذائل السجايا. أو الأدب عندهم هو الملكة الحاصلة من الرياضة المذكورة. وأياما كان فلا خفاء في أن الأدب بالمعنى المذكور أحسن عون ومساعد للطبيعة الانسانية، أو لذوي العقول على تحصيل العلم بالأشياء عن تجربة واختبار.
فحاصل مراده (ع) من قوله: أذك بالأدب قلبك، الخ. أن اشتعال القلب وضياءه بالأدب والاشتمال بمعالي الصفات، والاجتناب عن السفاسف.