العائدة الثامنة:
في ما ورد عن العظماء والحكماء في ذم الطمع والردع عنه.
قال ابن أبي الحديد: وقد ضرب الحكماء مثالا لفرط الطمع فقالوا:
ان رجلا صاد قبرة فقالت: ما تريد ان تصنع بي؟ قال: أذبحك وآكلك، قالت: والله ما أشفي من قرم، ولا أشبع من جوع، ولكني أعلمك ثلاث خصال هن خير لك من أكلي، اما واحدة فأعلمك إياها وأنا في يدك، وأما الثانية فإذا صرت على الشجرة، واما الثالثة فإذا صرت على الجبل. فقال الصياد: هاتي الأولى. قالت: لا تلهفن على ما فات. فخلاها، فلما صارت على الشجرة قال: هاتي الثانية. قالت: لا تصدقن بما لا يكون أنه يكون.
ثم طارت فصارت على الجبل، فقالت: يا شقي لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درتين وزن كل واحدة ثلاثون مثقالا، فعض على يديه وتلهف تلهفا شديدا وقال: هاتي الثالثة. فقالت: أنت قد أنسيت الاثنتين فما تصنع بالثالثة؟! ألم أقل لك: لا تلهفن على ما فات وقد تلهفت!! وألم أقل لك لا تصدقن بما لا يكون أنه يكون، وأنا ولحمي ودمي وريشي لا يكون عشرين مثقالا، فكيف صدقت أن في حوصلتي درتين كل واحدة منهما ثلاثون مثقالا؟!! ثم طارت وذهبت.
ومن كلام بعضهم: ما أكلت طعام واحد الا هنت عليه.
وكان يقال: نعوذ بالله من طمع يدني إلى طبع (162).
وقال الشاعر:
أرحت روحي من عذاب الملاح * لليأس روح مثل روح النجاح وقال بعض الأدباء: هذا المعنى الذي قد أطنب فيه الناس ليس كما