العلماء يختلفون إليه، وينهلوا من علمه، ويرووا عنه، إلى أن شاع كتابه - الكافي - في بغداد بين الخاص والعام، وأصبح مرجعا للجميع.
فالسبب في اشتهار الشيخ الكليني في بغداد أكثر من اشتهاره في بلاد الري هو الاستقرار النسبي الذي كانت تتمتع به بغداد، وإن كان هناك نزاعات وخصومات قد يثيرها البلاط العباسي بين العلماء بين آونة وأخرى إلا أنها لا تؤدي إلى إراقة الدماء، بل أن عوام الناس في بغداد ليس لهم ذلك النفوذ الذي كان يتمتع به أهل الري في إثارة الفتن والاعتداء والقتل الذي يؤدي به إلى خراب البلد، عدا الفتنة التي حدثت في الكرخ.
أما المرحلة العلمية الثانية والتي تبدأ قبيل خروج الكليني من الري فقد اتسمت بالنشاط والفاعلية، وهذا قطعا لم يبرز إلا بعد اطلاع علماء الشيعة على منزلة الشيخ العلمية، ومثابرته على جمع أحاديث أهل البيت في موسوعته الجليلة " الكافي "، ولا يشك أحد في أن الفترة التي استغرقت في تأليف هذا الكتاب الشريف والتي ناهزت عشرين عاما قد جاب خلالها البلدان كالعراق ودمشق وبعلبك وتفليس، واتصل بالعلماء، حرصا على جمع آثار الأئمة الأطهار عليهم السلام، فإن كثرة ملاقاته للمشايخ وجهابذة الشيعة قد أكسبته شهرة وعلوا.
قال الوحيد البهبهاني في " نهاية الدراية ": " ألا ترى أن الكليني مع بذل جهده في مدة عشرين سنة، ومسافرته إلى البلدان الأقطار، وحرصه في جمع آثار الأئمة، وقرب عصره إلى الأصول الأربعمائة والكتب المعول عليها، وكثرة ملاقاته و مصاحبته مع شيوخ الإجازات، والماهرين في معرفة الأحاديث، ونهاية شهرته في ترويج المذهب وتأسيسه... " (1).