التاريخ عن سيرته بالتفصيل.
فالأجواء السياسية في أواخر القرن الثالث الهجري حتمت على كثير من رجال الامامية وعلمائهم أن يتخفوا عن الانظار، أو أن يبتعدوا عن الصراعات الدائرة والفتن الشاخصة، والتي كان من ورائها رجال الدولة العباسيين، بل أن المعنيين من جراء خلق تلك الصراعات هم الشيعة، وهذا ديدن الحكام العباسيين ومن قبلهم الأمويين، والتاريخ يعيد نفسه، كما هو اليوم قد اجتمعت كلمة الشرق والغرب على إبادة الشيعة أينما وجدوا، وبأي أسلوب كان، وللبرهنة على ذلك لا نحتاج إلى مزيد من التفكير، بل أن سير الاحداث السياسية اليوم هو خير دليل.
فالظروف السياسية في ذلك الوقت حددت من نشاط بعض الشيعة الإمامية في بلاد الري، وليس من الغريب أن يتمسك القسط الأكبر منهم بالتقية درء للخطر، وتلافيا للاضرار الناجمة من الاشتباكات الكلامية، بل أن بعض تلك المناظرات الكلامية تؤدي إلى تكفير بعضهم البعض الاخر، بحيث يمتد الامر إلى عوام الناس فيحملوا السلاح على عواتقهم، وتجد إراقة الدماء أرخص شئ عندهم.
هذه بعض الظروف التي كانت سائدة في عصر نشأة الكليني الأولى، لهذا فإن حياته العلمية الأولى لم تكن بارزة في الري، بل أن الغموض هو العنصر البارز في النصف الأول من حياة الشيخ قدس سره.
نعم برزت شخصيته العلمية في الري في النصف الثاني من حياته، وقبل سفره إلى العراق، ولما انتقل الشيخ إلى بغداد، التف حوله علماء الطائفة، وقصده كبار الشيعة، وقصده لأجل علمه وزهده وتقواه القاصي والداني، وأكثر من ذلك أنه أصبح من الاعلام المشهورين في زمن الغيبة، بل ومن المقربين إلى النواب الأربعة، ولما كانت له منزلة رفيعة عند أولئك النواب والوكلاء ذاع صيته، وتألق نجمه، وأخذ