يحتمل وجوها أشرنا إلى بعضها مرارا:
الأول أن يكون المراد به الكفر الذي يطلق على مرتكبي الكبائر في مصطلح الآيات والاخبار، الثاني أن يعود الضمير إلى الذنب أو الخطأ المفهوم من السياق لا إلى الكفر، الثالث عود الضمير إلى التكفير لا إلى الكفر، يعني تكفيره لأخيه تكفير لنفسه، لأنه لما كفر مؤمنا فكأنه كفر نفسه، وأورد عليه أن التكفير حينئذ غير مختص بأحدهما لتعلقه بهما جميعا، ولا يخفى ما فيه وفي الثالث من التكلف، الرابع ما قيل: إن الضمير يعود إلى الكفر الحقيقي لان القائل اعتقد أن ما عليه المقول له من الايمان كفر، فقد كفر لقوله تعالى: " ومن يكفر بالايمان فقد حبط عمله " (1) ويرد عليه أن القائل بكفر أخيه لم يجعل الايمان كفرا، بل أثبت له بدل الايمان كفرا، توبيخا وتعييرا به بترك الايمان، وأخذ الكفر بدلا منه، وبينهما بون بعيد، نعم بمكن تخصيصه بما إذا كان سبب التكفير اعتقاده بشئ من أصول الذي يصير إنكاره سببا للكفر باعتقاد القائل، كما إذا كفر عالم قائل بالاختيار عالما آخر قائلا بالجبر، أو كفر قائل بالحدوث قائلا بالقدم أو قائل بالمعاد الجسماني منكرا له وأمثال ذلك، وهذا وجه وجيه، وإن كان في التخصيص بعد.
وقال الجزري في النهاية: فيه من قال لأخيه: يا كافر فقد باء به أحدهما لأنه إما أن يصدق عليه أو يكذب، فان صدق فهو كافر، وإن كذب عاد الكفر إليه بتكفيره أخاه المسلم، والكفر صنفان أحدهما الكفر بأصل الايمان، وهو ضده والاخر الكفر بفرع من فروع الاسلام، فلا يخرج به عن أصل الايمان، وقيل: الكفر على أربعة أنحاء: كفر إنكار بأن لا يعرف الله أصلا ولا يعترف به، وكفر جحود ككفر إبليس يعرف الله بقلبه ولا يقر بلسانه، وكفر عناد وهو أن يعرف بقلبه ويعترف بلسانه، ولا يدين به حسدا وبغيا ككفر أبي جهل وأضرابه، وكفر نفاق وهو أن يقر بلسانه ولا يعتقد بقلبه.