وقال الراوندي رحمه الله في شرح هذا الخبر في ضوء الشهاب: السب الشتم القبيح وسميت الإصبع التي تلي الابهام سبابة لإشارتها بالسب، كما سميت مسبحة لتحريكها في التسبيح، يقول صلى آلله عليه وآله: إن ما يتكلم به المتسابان ترجع عقوبته على البادي لأنه السبب في ذلك، ولو لم يفعل لم يكن، ولذلك قيل: البادي أظلم، والذي يجيب ليس بملوم كل الملامة كما قال تعالى: " ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل " (1) على أن الواجب على المشتوم أن يحتمل ويحلم ولا يطفئ النار بالنار، فان النارين إذا اجتمعا كان أقوى لهما فيقول تغليظا لأمر الشاتم: إن ما يجري بينهما من التشاتم عقوبته تركب البادي لكونه سببا لذلك، هذا إذا لم يتجاوز المظلوم حده في الجواب، فإذا تجاوز وتعدى كانا شريكين في الوزر والوبال، والكلام وارد مورد التغليظ وإلا فالمشتوم ينبغي أن لا يجيب ولا يزيد في الشر، ولا تكون عقوبة فعل المشتوم على الشاتم، إن للشاتم في فعله أيضا نصيبا من حيث كان سببه وإلا فكل مأخوذ بفعله انتهى.
وأقول: الحاصل أن إثم سباب المتسابين على البادي أما إثم ابتدائه فلان السب حرام وفسق لحديث سباب المؤمن فسق، وقتاله كفر، وأما إثم سب الراد فلان البادي هو الحامل له على الرد، وإن كان منتصرا فلا إثم على المنتصر لقوله تعالى: " ولمن انتصر بعد ظلمه " الآية لكن الصادر منه هو سب يترتب عليه الاثم إلا أن الشرع أسقط عنه المؤاخذة، وجعلها على البادي للعلة المتقدمة وإنما أسقطها عنه ما لم يتعد، فان تعدى كان هو البادي في القدر الزايد والتعدي بالرد قد يكون بالتكرار مثل أن يقول البادي: يا كلب فيرد عليه مرتين، وقد يكون بالأفحش كما لو قال له: يا سنور فيقول في الرد: يا كلب وإنما كان هذا تعديا لان الرد بمنزلة القصاص، والقصاص إنما يكون بالمثل، ثم الراد أسقط حقه على البادي ويبقى على البادي حق الله لقدومه على ذلك، ولا يبعد تخصيص تحمل البادي إثم الراد بما إذا لم يكن الرد كذبا والأول قذفا، فإنه إذا كان