وقال الراغب: فسق فلان خرج عن حد الشرع، وهو أعم من الكفر، والفسق يقع بالقليل من الذنوب، وبالكثير، لكن تعورف فيما كان كثيرا، وأكثرما يقال الفاسق لمن التزم حكم الشرع وأقر به ثم أخل بجميع أحكامه أو ببعضه، قال عز وجل: " ففسق عن أمر ربه " " ففسقوا فيها فحق عليها القول " " وأكثرهم الفاسقون " " أفمن كان مؤمنا كمن كان فاسقا " فقابل بها الايمان، وقال: " ومن يكفر بعد ذلك فأولئك هم الفاسقون " " وأما الذين فسقوا فمأواهم النار " " والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون " " والله لا يهدي القوم الفاسقين " " وكذلك حقت كلمة ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون انتهى " (1).
فالفسق هنا ما قارب الكفر لأنه ترقى عنه إلى الكفر، ويظهر منه أن السباب أعظم من الغيبة مع أن الايذاء فيه أشد، إلا أن يكون الغيبة بالسباب، فهي داخلة فيه.
" وقتاله كفر " المراد به الكفر الذي يطلق على أرباب الكبائر، أو إذا قاتله مستحلا أو لايمانه، وقيل: كان القتال لما كان من أسباب الكفر أطلق الكفر عليه مجازا، أو أريد بالكفر كفر نعمة التألف، فان الله ألف بين المؤمنين، أو إنكار حق الاخوة، فان من حقها عدم المقاتلة. وأكل لحمه المراد به الغيبة، كما قال عز وجل: " ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا " (2) شبه صاحب الغيبة بأكل لحم أخيه الميت زيادة في التنفير والزجر عنها وقيل: المراد بالمعصية الكبيرة.
" وحرمة ماله كحرمة دمه " جمع بين المال والدم في الاحترام ولا شك في أن إهراق دمه كبيرة مهلكة، وكذا أكل ماله، ومثل هذا الحديث مروي من طرق العامة، وقال في النهاية: قيل: هذا محمول على من سب أو قاتل مسلما من غير تأويل، وقيل: إنما قال على جهة التغليظ لا أنه يخرجه إلى الفسق والكفر