الثاني أظهر والتخصيص بالجوف لأنه أضر وأسرع في قتله، وفي التأييد الذي ذكره نظر والمستتر في قوله: " ما لم يحدث " راجع إلى الجالس المفهوم من الجلوس، وهو على بناء الافعال، والاغتياب منصوب، وقال الجوهري: اغتابه اغتيابا إذا وقع فيه، والاسم الغيبة، وهو أن يتكلم خلف إنسان مستور فما يغمه لو سمعه، فإن كان صدقا سمي غيبة، وإن كان كذبا سمي بهتانا.
أقول: هذا بحسب اللغة، وأما بحسب عرف الشرع، فهو ذكر الانسان المعين أو من هو بحكمه في غيبته بما يكره نسبته إليه، وهو حاصل فيه، ويعد نقصا في العرف بقصد الانتقاص والذم، قولا أو إشارة أو كناية، تعريضا أو تصريحا فلا غيبة في غير معين كواحد مبهم من غير محصور كأحد أهل البلد، وقال الشيخ البهائي قدس سره: وبحكمه لا دراج المبهم من محصور كأحد قاضي البلد فاسق مثلا، فان الظاهر أنه غيبة ولم أجد أحدا تعرض له انتهى.
وقولنا: " في غيبته " لاخراج ما إذا كان في حضوره لأنه ليس بغيبة، وإن كان إثما لايذائه إلا بقصد الوعظ والنصيحة والتعريض حينئذ أولى إن نفع، وقولنا:
" بما يكره " لا خراج غيبة من لا يكره نسبة الفسق ونحوه إليه، بل ربما يفرح بذلك ويعده كمالا، وقولنا: " وهو حاصل فيه " لاخراج التهمة، وإن كانت أشد، وقولنا " ويعد نقصا " لاخراج العيوب الشائعة التي لا يعدها أكثر الناس نقصا مع كونها مخفية، وعدم مبالاته بذكرها، وعدم عد أكثر الناس نقصا لشيوعها، ففيه إشكال، والأحوط ترك ذكرها وإن كان ظهار الأصحاب جوازه وقولنا " بقصد الانتقاص " لخروج ما إذا كان للطبيب لقصد العلاج، وللسلطان للترحم أو للنهي عن المنكر.
وقال الشهيد الثاني رفع الله درجته: وأما في الاصطلاح، فلها تعريفان: أحدهما مشهور، وهو ذكر الانسان حال غيبته بما يكره نسبته إليه مما يعد نقصانا في العرف بقصد الانتقاص والذم، واحترز بالقيد الأخير، وهو قصد الانتقاص عن ذكر العيب للطبيب مثلا أو لاستدعاء الرحمة من السلطان في حق الزمن والأعمى بذكر