المندوبات مطلقا، وهذا ظاهر بحسب الاعتبار أيضا فإنه سبحانه أعلم بالأسباب التي توجب القرب إلى محبته وكرامته، فلما أكد في الفرائض وأوعد على تركها علمنا أنها أفضل مما خيرنا في فعله وتركه، ووعد على فعله ولم يتوعد على تركه.
قال الشيخ البهائي قدس سره: فان قلت: مدلول هذا الكلام هو أن غير الواجب ليس أحب إلى الله سبحانه من الواجب، لا أن الواجب أحب إليه من غيره، فلعلهما متساويان، قلت: الذي يستفيده أهل اللسان من مثل هذا الكلام هو تفضيل الواجب على غيره، كما تقول ليس في البلد أحسن من زيد، لا تريد مجرد نفي وجود من هو أحسن منه فيه، بل تريد نفي من يساويه في الحسن وإثبات أنه أحسن أهل البلد، وإرادة هذا المعنى من مثل هذا الكلام شايع متعارف في أكثر اللغات انتهى.
وقال الشهيد رحمه الله في القواعد: الواجب أفضل من الندب غالبا لاختصاصه بمصلحة زائدة، ولقوله تعالى في الحديث القدسي ما تقرب إلى عبدي بمثل أداء ما افترضت عليه، وقد تخلف ذلك في صور كالابراء من الدين الندب وإنظار المعسر الواجب وإعادة المنفرد صلاته جماعة، فان الجماعة مطلقا تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين درجة، فصلاة الجماعة مستحبة، وهي أفضل من الصلاة التي سبقت وهي واجبة، وكذلك الصلاة في البقاع الشريفة فإنها مستحبة وهي أفضل من غيرها مائة ألف إلى اثنتي عشرة صلاة، والصلاة بالسواك والخشوع في الصلاة مستحب ويترك لأجله سرعة المبادرة إلى الجمعة، وإن فات بعضها مع أنها واجبة لأنه إذا اشتد سيعه شغله الانبهار عن الخشوع، وكل ذلك في الحقيقة غير معارض لأصل الواجب وزيادته، لاشتماله على مصلحة أزيد من فعل الواجب، لا بذلك القيد انتهي.
وأقول: ما ذكره قدس سره لا يصلح جوابا للجميع ويمكن الجواب عن الأول بأن الواجب أحد الامرين والابراء أفضل الفردين، وعن الثاني بأنا لا نسلم كون هذه الجماعة أفضل من المنفرد، ولو سلم فيمكن أن يكون الفضل لكون أصلها واجبة وانضمت إلى تلك الفضيلة مع أنه قد ورد أنه تعالى يقبل أفضلهما واحتمل