العبادة في الصوم ولا في الصلاة ولكن في الكف عن أعراض الناس.
واعلم أن السبب الموجب للتشديد في أمر الغيبة وجعلها أعظم من كثير من المعاصي الكثيرة هو اشتمالها على المفاسد الكلية المنافية لغرض الحكيم سبحانه بخلاف باقي المعاصي فإنها مستلزمة لمفاسد جزئية، بيان ذلك أن المقاصد المهمة للشارع اجتماع النفوس على هم واحد، وطريقة واحدة، وهي سلوك سبيل الله بسائر وجوه الأوامر والنواهي، ولا يتم ذلك إلا بالتعاون والتعاضد بين أبناء النوع الانساني، وذلك يتوقف على اجتماع هممهم وتصافي بواطنهم واجتماعهم على الألفة والمحبة، حتى يكونوا بمنزلة عبد واحد في طاعة مولاه، ولن يتم ذلك إلا بنفي الضغائن والأحقاد والحسد ونحوه، وكانت الغيبة من كل منهم لأخيه مثيرة لضغنه، ومستدعية منه لمثلها في حقه، لاجرم، وكانت ضد المقصود الكلي للشارع، وكانت مفسدة كلية، ولذلك أكثر الله ورسوله النهي عنها والوعيد عليها، وبالله التوفيق.
ثم قال قدس سره في ذكر أقسامها: لما عرفت أن المراد منها ذكر أخيك بما يكرهه منه لو بلغه أو الاعلام به أو التنبيه عليه كان ذلك شاملا لما يتعلق بنقصان في بدنه أو نسبه أو خلقه أو فعله أو قوله أو دينه أو دنياه، حتى في ثوبه و داره، وقد أشار الصادق عليه السلام إلى ذلك أي في مصباح الشريعة بقوله: وجوه الغيبة تقع بذكر عيب في الخلق والفعل والمعاملة والمذهب والجهل وأشباهه، فالبدن كذكرك فيه العمش والحول والعور والقرع والقصر والطول والسواد والصفرة وجميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه، وأما النسب بأن تقول أبوه فاسق أو خبيث أو خسيس أو إسكاف أو حائك أو نحو ذلك مما يكرهه، كيف كان، وأما الخلق بأن تقول إنه سيئ الخلق بخيل متكبر مراء شديد الغضب جبان ضعيف القلب ونحو ذلك، وأما في أفعاله المتعلقة بالدين كقولك سارق كذاب شارب خائن ظالم متهاون بالصلاة، لا يحسن الركوع والسجود، ولا يحترز من النجاسات ليس بارا بوالديه، لا يحرس نفسه من الغيبة والتعرض لاعراض الناس وأما فعله