" يراؤن الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا " (1).
وكان النفاق في ابتداء الاسلام ممن يدخل في ظاهر الاسلام ابتداء لغرض وذلك مما يقل في زماننا ولكن يكثر نفاق من ينسل من الدين باطنا فيجحد الجنة والنار والدار الآخرة، ميلا إلى قول الملحدة أو يعتقد طي بساط الشرع والاحكام، ميلا إلى أهل الإباحة، ويعتقد كفرا أو بدعة وهو يظهر خلافه فهؤلاء من المرائين المنافقين المخلدين في النار، وحال هؤلاء أشد من حال الكفار المجاهرين لأنهم جمعوا بين كفر الباطن ونفاق الظاهر.
الثانية الرياء بأصول العبادات مع التصديق بأصل الدين وهذا أيضا عظيم عند الله، ولكنه دون الأول بكثير، ومثاله أن يكون مال الرجل في يد غيره فيأمره باخراج الزكاة خوفا من ذمه، والله يعلم منه أنه لو كان في يده لما أخرجها أو يدخل وقت الصلاة وهو في جمع فيصلي معهم وعادته ترك الصلاة في الخلوة وكذا ساير العبادات، فهو مراء معه أصل الايمان بالله يعتقد أنه لا معبود سواه، ولو كلف أن يعبد غير الله أو يسجد لغير الله لم يفعل، ولكنه يترك العبادات للكسل وينشط عند اطلاع الناس فتكون منزلته عند الخلق أحب إليه من منزلته عند الخالق، وخوفه من مذمة الناس أعظم من خوفه من عقاب الله، ورغبته في محمدتهم أشد من رغبته في ثواب الله، وهذا غاية الجهل، وما أجدر صاحبه بالمقت، وإن كان غير منسل عن أصل الايمان من حيث الاعتقاد.
الثالثة: أن لا يرائي بالايمان ولا بالفرائض، ولكن يرائي بالنوافل والسنن التي لو تركها لا يعصي، ولكن يكسل عنها في الخلوة لفتور رغبته في ثوابها، ولا يثار لذة الكسل على ما يرجى من الثواب، ثم يبعثه الرياء على فعله، وذلك كحضور الجماعة في الصلاة، وعيادة المريض، واتباع الجنايز، وكالتهجد بالليل وصيام السنة والتطوع ونحو ذلك، فقد يفعل المرائي جملة ذلك خوفا من المذمة أو طلبا للمحمدة، ويعلم الله تعالى منه لو خلى بنفسه لما زاد على أداء الفرائض، فهذا أيضا