وأما انصراف الهم إلى سعة الجاه فهو مبدأ الشرور كانصراف الهم إلى كثرة المال، ولا يقدر محب الجاه والمال على ترك معاصي القلب واللسان وغيرها.
وأما سعة الجاه من غير حرص منك على طلبه، ومن غير اهتمام بزواله إن زال فلا ضرر فيه، فلا جاه أوسع من جاه رسول الله صلى الله عليه وآله ومن بعده من علماء الدين ولكن انصراف الهم إلى طلب الجاه نقصان في الدين، ولا يوصف بالتحريم.
وبالجملة المراءات بما ليس هو من العبادات قد يكون مباحا وقد يكون طاعة. وقد يكون مذموما، وذلك بحسب الغرض المطلوب به، وأما العبادات كالصدقة والصلاة والغزو والحج، فللمرائي فيه حالتان إحداهما أن لا يكون له قصد إلا الرياء المحض دون الاجر، وهذا يبطل عبادته لان الأعمال بالنيات وهذا ليس يقصد العبادة، ثم لا يقتصر على إحباط عبادته، حتى يقال: صار كما كان قبل العبادة، بل يعصي بذلك ويأثم، لما دلت عليه الأخبار والآيات.
والمعنى فيه أمران أحدهما يتعلق بالعبادة، وهو التلبيس والمكر لأنه خيل إليهم أنه مخلص مطيع لله، وأنه من أهل الدين وليس كذلك، والتلبيس في أمر الدنيا أيضا حرام حتى لو قضى دين جماعة وخيل إلى الناس أنه متبرع عليهم ليعتقدوا سخاوته أثم بذلك، لما فيه من التلبيس وتملك القلوب بالخداع والمكر.
والثاني يتعلق بالله وهو أنه مهما قصد بعبادة الله خلق الله فهو مستهزئ بالله، فهذا من كبائر المهلكات، ولهذا سماه رسول الله صلى الله عليه وآله الشرك الأصغر فلو لم يكن في الرياء إلا أنه يسجد ويركع لغير الله، لكان فيه كفاية، فإنه إذا لم يقصد التقرب إلى الله فقد قصد غير الله، لعمري لو قصد غير الله بالسجود لكفر كفرا جليا إلا أن الرياء هو الكفر الخفي.
واعلم أن بعض أبواب الرياء أشد وأغلظ من بعض، واختلافه باختلاف أركانه وتفاوت الدرجات فيه، وأركانه ثلاثة: المرائا به والمرائا [له]، ونفس قصد الرياء.
الركن الأول: نفس قصد الرياء، وذلك لا يخلو إما أن يكون مجردا