وإذا ثبت ذلك وجب أن يحمل كلام أمير المؤمنين عليه السلام على تأويل صحيح وهو الذي أراده عليه السلام لأنه كان أعرف الناس بهذه المعاني، ومنه تعلم المتكلمون علم الكلام، وهو أن المرض والألم يحط الله تعالى عن الانسان المبتلى به ما يستحقه من العقاب على معاصيه السالفة تفضلا منه سبحانه، فلما كان إسقاطه للعقاب متعقبا للمرض وواقعا بعده بلا فصل جاز أن يطلق اللفظ بأن المرض يحط السيئات ويحتها حت الورق، كما جاز أن يطلق اللفظ بأن الجماع يحبل المرأة وبأن سقي البذر الماء ينبته وإن كان الولد والزرع عند المتكلمين واقعا من الله تعالى على سبيل الاختيار لا على سبيل الايجاب، ولكنه أجرى العادة بأن يفعل ذلك عقيب الجماع وعقيب سقي البذر الماء.
فان قلت: يجوز أن يقال: إن الله تعالى يمرض الانسان المستحق للعقاب ويكون إنما أمرضه ليسقط عنه العقاب لا غير؟
قلت: لا، لأنه قادر على أن يسقط عنه العقاب ابتداء، ولا يجوز إنزال الألم الا حيث لا يمكن اقتناص العوض المجزي به إليه، إلا بطريق الألم وإلا كان فعل الألم عبثا ألا ترى أنه لا يجوز أن يستحق زيد على عمرو ألف درهم فيضربه ويقول: إنما أضربه لاجعل ما يناله من ألم الضرب مسقطا لما أستحقه من الدراهم عليه، ويذمه العقلاء ويسفهونه ويقولون له فهلا وهبتها له وأسقطتها عنه من غير حاجة إلى أن تضربه؟ وأيضا فان الآلام قد تنزل بالأنبياء وليسوا ذوي ذنوب ومعاص ليقال إنه يحطها عنهم.
فأما قوله عليه السلام: " وإنما الاجر في القول " إلى آخر الفصل فإنه عليه السلام قسم أسباب الثواب أقساما، فقال: لما كان المرض لا يقتضي الثواب لأنه ليس من فعل المكلف، إنما يستحق المكلف الثواب على ما كان من فعله، وجب أن نبين ما الذي يستحق به المكلف الثواب.
الذي يستحق المكلف به ذلك أن يفعل فعلا إما من أفعال الجوارح، وإما من أفعال القلوب، فأفعال الجوارح إما قول باللسان أو عمل ببعض الجوارح وعبر