إلا في الخبر دون غيره من أصناف الكلام (الاستفهام والامر والدعاء) ولذلك قال: " ومن أصدق من الله قيلا " (1) " ومن أصدق من الله حديثا " (2) " واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد " (3) وقد يكونان بالعرض في غيره من أنواع الكلام كالاستفهام والامر والدعاء، وذلك نحو قول القائل: أزيد في الدار فان في ضمنه إخبارا بكونه جاهلا بحال زيد، وكذا إذا قال: واسني في ضمنه أنه محتاج إلى المواساة، وإذا قال: لا تؤذني ففي ضمنه أنه يؤذيه انتهى (4).
ثم اعلم أن مضمون الحديث متفق عليه بن الخاصة والعامة، فروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وآله لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب في الاصطلاح بين الناس، وفي صحيح مسلم قال ابن شهاب وهو أحد رواته: لم أسمع يرخص في شئ مما يقول الناس كذبا إلا في ثلاث الحرب والاصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته، وحديث المرأة زوجها.
قال عياض: لا خلاف في جوازه في الثلاث وإنما يجوز في صورة ما يجوز منه فيها، فأجاز قوم فيها صريح الكذب، وأن يقول ما لم يكن لما فيه من المصالح ويندفع فيها الفساد، قالوا: وقد يجب لنجاة مسلم من القتل، وقال بعضهم: لا يجوز فيها التصريح بالكذب، وإنما يجوز فيها التورية بالمعاريض، وهي شئ يخلص من المكروه والحرام إلى الجايز إما لقصد الاصلاح بين الناس أو لدفع ما يضر أو لغير ذلك، وتأول المروي على ذلك وقال: مثل أن يعد زوجته أن يفعل لها ويحسن إليها، ونيته إن قدر الله تعالى، أو يأتيها فهذا بلفظ محتمل وكلمة مشتركة تفهم من ذلك ما يطيب قلبها وكذلك في الاصلاح بين الناس ينقل لهؤلاء من هؤلاء الكلام المحتمل، وكذلك في الحرب مثل أن يقول لعدوه: انحل حزام سرجك ويريد فيما مضى، ويقول لجيش عدوه: مات أميركم، ليذعر قلوبهم