إن قلت: حقيقة الايمان من الأمور الاعتبارية للشارع وحينئذ فيجوز أن يعتبر الشارع للايمان حقائق متعددة متفاوتة زيادة ونقصانا بحسب مراتب المكلفين في قوة الادراك وضعفه، فانا نقطع بتفاوت المكلفين في العلم والإدراك، قلت:
لو جاز ذلك وكان واقعا لوجب على الشارع بيان حقيقة إيمان كل فرقة يتفاوتون في قوة الادراك، مع أنه لم يبين، وما ورد من جهة الشارع فيما به يتحقق الايمان من حديث جبرئيل للنبي صلى الله عليه وآله وغيره من الأحاديث قد مر ذكره، وليس فيه شئ يدل على تعدد الحقائق بحسب تفاوت قوى المكلفين وأما ما ورد في الكتاب العزيز والسنة المطهرة مما يشعر بقبوله الزيادة والنقصان، كقوله تعالى " وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا " (1) وقوله تعالى " وليزدادوا إيمانا مع إيمانهم " (2) وقوله تعالى " ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين " (3) وكذا ما ورد من أمثال ذلك في القرآن العزيز فمحمول على زيادة الكمال، وهو أمر خارج عن أصل الحقيقة الذي هو محل النزاع والآية الثانية صريحة في ذلك، فان قوله تعالى " مع إيمانهم " يدل على أن أصل الايمان ثابت أو على من كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله، حيث كانوا يسمعون فرضا بعد فرض منه عليه السلام فيزداد إيمانهم به لأنهم لم يكونوا مصدقين به قبل أن يسمعوه وحاصله أن الحقيقة الشرعية للايمان لم تكن حصلت بتمامها في ذلك الوقت، فكان كلما حصل منها شئ صدقوا به.
واعترض بأن من كان بعد عصر النبي صلى الله عليه وآله يمكن في حقه تجدد الاطلاع على تفاصيل الفرائض المتوقف عليها الايمان، فإنه يجب الاعتقاد إجمالا فيما علم إجمالا وتفصيلا فيما علم تفصيلا، ولا ريب أن اعتقاد الأمور المتعددة تفصيلا