حيث قال: " كلما ميزتموه بأوهامكم في أدق معانيه مخلوق مصنوع مثلكم مردود إليكم " ولعل النمل الصغار تتوهم أن لله تعالى زبانيتين فان ذلك كمالها ويتوهم أن عدمها نقصان لمن لا يتصف بهما، وهذا حال العقلاء فيما يصفون الله تعالى به.
انتهى كلامه صلوات الله عليه وسلامه.
قال بعض المحققين: هذا كلام دقيق رشيق أنيق صدر من مصدر التحقيق ومورد التدقيق، والسر في ذلك أن التكليف إنما يتوقف على معرفة الله تعالى بحسب الوسع والطاقة، وإنما كلفوا أن يعرفوه بالصفات التي ألفوها، وشاهدوها فيهم مع سلب النقائص الناشية عن انتسابها إليهم، ولما كان الانسان واجبا بغيره عالما قادرا مريدا حيا متكلما سميعا بصيرا كلف بأن يعتقد تلك الصفات في حقه تعالى مع سلب النقائص الناشية عن انتسابها إلى الانسان بأن يعتقد أنه تعالى واجب لذاته لا بغيره عالم بجميع المعلومات، قادر على جميع الممكنات، وهكذا في سائر الصفات ولم يكلف باعتقاد صفة له تعالى لا يوجد فيه مثالها ومناسبها بوجه، ولو كلف به لما أمكنه تعقله بالحقيقة، وهذا أحد معاني قوله عليه السلام " من عرف نفسه فقد عرف ربه " انتهى كلامه.
ثم قال قدس سره: قد اشتمل هذا الحديث على المهم من سمات العارفين وصفات الأولياء الكاملين، فأولها الصمت وحفظ اللسان الذي هو باب النجاة، وثانيها الجوع وهو مفتاح الخيرات، وثالثها إتعاب النفس في العبادة بصيام النهار، وقيام الليل، وهذه الصفة ربما توهم بعض الناس استغناء العارف عنها وعدم حاجته إليها بعد الوصول وهو وهم باطل، إذ لو استغنى عنها أحد لاستغنى عنها سيد المرسلين وأشرف الواصلين وقد كان عليه السلام يقوم في الصلاة إلى أن ورمت قدماه، وكان أمير المؤمنين علي عليه السلام الذي إليه ينتهي سلسلة أهل العرفان يصلي كل ليلة ألف ركعة، وهكذا شأن جميع الأولياء والعارفين، كما هو في التواريخ مسطور، وعلى الألسنة مشهور.
ورابعها الفكر، وفي الحديث تفكر ساعة خير من عبادة ستين سنة، قال بعض