يكونا رغبا في أن يصيرا على الهيئة الملائكة (1) وصورها، وليس ذلك يرغبه في الثواب ولا الفضل، فإن الثواب فضل لا يتبع الهيئات والصور، ألا ترى أنهما رغبا في أن يكونا من الخالدين، وليس الخلود مما يقتضي مزية في ثواب ولا فضلا فيه، وإنما هو نفع عاجل، وكذلك لا يمتنع أن يكون الرغبة منهما في أن يصيرا ملكين إنما كانت على هذا الوجه.
ويمكن أن يقال للمعتزلة خاصة وكل من أجاز على الأنبياء الصغائر: ما أنكرتم أن يكونا اعتقدا أن الملك أفضل من النبي وغلطا في ذلك وكان منهما ذنبا صغيرا؟
لان الصغائر عندكم تجوز على الأنبياء، فمن أين لكم إذا اعتقدا أن الملائكة أفضل من الأنبياء ورغبا في ذلك أن الامر على ما اعتقداه مع تجويزكم عليهم الذنوب؟ و ليس لهم أن يقولوا: إن الصغائر إنما تدخل في أفعال الجوارح دون القلوب، لان ذلك تحكم بغير برهان، وليس يمتنع على أصولهم أن تدخل الصغائر في أفعال القلوب والجوارح معا، لان حد الصغيرة عندهم ما نقص عقابه عن ثواب طاعات فاعله، وليس يمتنع معنى هذا الحد في أفعال القلوب كما لا يمتنع في أفعال الجوارح.
ويقال لهم فيما تعلقوا به ثانيا: ما أنكرتم أن يكون هذا القول إنما توجه إلى قوم اعتقدوا أن الملائكة أفضل من الأنبياء فاخرج الكلام على حسب اعتقادهم و اخر ذكر الملائكة لذلك؟ ويجري هذا القول مجرى قول من قال منا لغيره: لن يستنكف أبي أن يفعل كذا ولا أبوك، وإن كان القائل يعتقد أن أباه أفضل، وإنما اخرج الكلام على حسب اعتقاد المخاطب لا المخاطب.
ومما يجوز أن يقال أيضا: أنه لا تفاوت في الفضل بين الأنبياء والملائكة وإن ذهبنا إلى أن الأنبياء أفضل منهم، ومع التقارب والتداني يحسن أن يؤخر ذكر الأفضل الذي لا تفاوت بينه وبين غيره في الفضل، وإنما مع التفاوت والتنافي لا يحسن ذلك، ألا ترى أنه يحسن أن يقول القائل: ما يستنكف الأمير فلان من كذا، ولا الأمير