فلان من كذا، وإن كانا متساويين متناظرين أو متقاربين، ولا يحسن أن يقول: ما يستنكف الأمير من كذا ولا الحارس، لأجل التفاوت. وأقوى من هذا أن يقال: إنما اخر ذكر الملائكة عن ذكر المسيح لان جميع الملائكة أكثر ثوابا لا محالة من المسيح منفردا وهذا لا يقتضي أن كل واحد منهم أفضل من المسيح عليه السلام، وإنما الخلاف في ذلك.
ويقال لهم في ما تعلقوا به ثالثا: ما أنكرتم أن يكون المراد بقوله تعالى " على كثير ممن خلقنا تفضيلا " أنا فضلناهم على من خلقنا وهم كثير ولم يرد التبعيض، و يجري ذلك مجرى قوله تعالى " ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا (1) " معناه: لا تشتروا بها ثمنا قليلا فكل ثمن تأخذونه عنها قليل، ولم يرد التخصيص والمنع من الثمن القليل خاصة. ومثله قول الشاعر:
من أناس ليس في أخلاقهم * عاجل الفحش ولا سوء الجزع وإنما أراد نفي الفحش كله عن أخلاقهم وإن وصفه بأنه عاجل، ونفي الجزع عنهم وإن وصفه بالسوء، وهذا من غريب البلاغة ودقيقها، ونظائره في الشعر والكلام الفصيح لا تحصى، وقد كنا أملينا في تأويل هذه الآية كلاما منفردا استقصيناه وشرحنا هذا الوجه وأكثرنا من ذكر أمثلته.
ووجه آخر في تأويل هذه الآية، وهو أنه غير ممتنع أن يكون جميع الملائكة أفضل من جميع بني آدم وإن كان في جملة بني آدم من الأنبياء عليهم السلام من يفضل كل واحد منهم على كل واحد من الملائكة، لان الخلاف إنما هو في فضل كل بني آدم على كل ملك، وغير ممتنع أن يكون جميع الملائكة فضلاء يستحق كل واحد منهم الجزيل الأكثر من الثواب، فيزيد ثواب جميعهم على ثواب جميع بني آدم، لان الأفاضل من بني آدم أقل عددا، وإن كان في بني آدم آحاد كل واحد منهم أفضل من كل واحد من الملائكة.
ووجه آخر ومما يمكن أن يقال في هذه الآية أيضا: أن مفهوم الآية إذا تؤملت يقتضي أنه تعالى لم يرد الفضل الذي هو زيادة الثواب، وإنما أراد النعم و