تعالى مسبب الأسباب، ومذلل الصعاب، وليس لاحد أن ينكر هذا، لان نبينا صلى الله عليه وآله لما قرأ هذه السورة على أهل مكة لم ينكروا ذلك بل أقروا به وصدقوه مع شدة حرصهم على تكذيبه واعتنائهم بالرد عليه، وكانوا قريبي العهد بأصحاب الفيل، فلو لم يكن لذلك عندهم حقيقة وأصل لأنكروه وجحدوه. وكيف وإنهم قد أرخوا بذلك كما أرخوا ببناء الكعبة وموت قصي بن كعب وغير ذلك. وقد أكثر الشعراء ذكر الفيل ونظموه ونقلته الرواة عنهم.
وأقول: هذه الجناية على الدين، وتشهير كتب الفلاسفة بين المسلمين، من بدع خلفاء الجور المعاندين لائمة الدين، ليصرفوا الناس عنهم وعن الشرع المبين. و يدل على ذلك ما ذكره الصفدي في شرح لامية العجم: إن المأمون لما هادن بعض ملوك النصارى - أظنه صاحب جزيرة قبرس - طلب منهم خزانة كتب اليونان - وكانت عندهم مجموعة في بيت لا يظهر عليه أحد - فجمع الملك خواصه من ذوي الرأي واستشارهم في ذلك فكلهم أشار بعدم تجهيزها إليه إلا مطران واحد فإنه قال: جهزها إليهم، ما دخلت هذه العلوم على دولة شرعية إلا أفسدتها وأوقعت الاختلاف بين علمائها.
وقال في موضع آخر: إن المأمون لم يبتكر النقل والتعريب - أي لكتب الفلاسفة - بل نقل قبله كثير، فإن يحيى بن خالد بن برمك عرب من كتب الفرس كثيرا مثل " كليلة ودمنة " وعرب لأجله كتاب " المجسطي " من كتب اليونان. والمشهور أن أول من عرب كتب اليونان خالد بن يزيد بن معاوية لما أولع بكتب الكيمياء. ويدل على أن الخلفاء وأتباعهم كانوا مائلين إلى الفلسفة، وأن يحيى البرمكي كان محبا لهم ناصرا لمذهبهم ما رواه الكشي بإسناده عن يونس بن عبد الرحمان، قال: كان يحيى بن خالد البرمكي قد وجد على هشام شيئا من طعنه على الفلاسفة، فأحب أن يغري به هارون ويضربه على القتل - ثم ذكر قصة طويلة في ذلك أوردناها في باب أحوال أصحاب الكاظم عليه السلام وفيها: - انه أخفى هارون في بيته ودعا هشاما ليناظر العلماء وجروا الكلام إلى الإمامة وأظهر الحق فيها، وأراد هارون قتله فهرب ومات من ذلك الخوف - رحمه الله -. وعد أصحاب الرجال من كتبه " كتاب الرد على أصحاب الطبائع " و