ذلك من أعظم فضائله، وهذا مما لا شبهة فيه.
فأما اعتماد بعض أصحابنا في تفضيل الأنبياء على الملائكة على أن المشقة في طاعة الأنبياء عليهم السلام أكثر وأوفر من حيث كانت لهم شهوات في القبائح ونفار عن الواجبات فليس بمعتمد، لأنا لانقطع على أن مشاق الأنبياء أعظم من مشاق الملائكة في التكليف والشك في مثل ذلك واجب، وليس كل شئ لم يظهر لنا ثبوته وجب القطع على انتفائه ونحن نعلم على الجملة أن الملائكة إذا كانوا مكلفين فلا بد من أن تكون عليهم مشاق في تكليفهم لولا ذلك ما استحقوا ثوابا على طاعاتهم، والتكليف إنما يحسن في كل مكلف تعريضا للثواب، ولا يكون التكليف شاقا عليهم إلا وتكون لهم شهوات فيما حظر عليهم ونفار عما أوجب، وإذا كان الامر على هذا فمن أين يعلم أن مشاق الأنبياء عليهم السلام أكثر من مشاق الملائكة، وإذا كانت المشقة عامة لتكليف الأمة ولا طريق إلى القطع على زيادتها في تكليف بعض ونقصانها في تكليف آخرين فالواجب التوقف والشك، ونحن الآن نذكر شبه من فضل الملائكة على الأنبياء عليهم السلام ونتكلم عليها بعون الله:
فمما تعلقوا به في ذلك قوله تعالى حكاية عن إبليس مخاطبا لآدم وحواء عليهما السلام " ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (1) " فرغبهما في التناول من الشجرة في منزلة الملائكة حتى تناولا وعصيا، وليس يجوز أن يرغب عاقل في أن يكون على منزلة هي دون منزلته حتى يحمله ذلك على خلاف الله تعالى ومعصيته، وهذا يقتضي فضل الملائكة على الأنبياء عليهم السلام. وتعلقوا أيضا بقوله تعالى " لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون (2) " وتأخير ذكر الملائكة في مثل هذا الخطاب يقتضي تفضيلهم، لان العادة إنما جرت أن يقال: لن يستنكف الوزير أن يفعل هذا ولا الخليفة، فيقدم الأدون ويؤخر الأعظم، ولم تجر بأن يقال: لن يستنكف الأمير أن يفعل كذا ولا الحارس، وهذا يقتضي تفضيل الملائكة