الوجه الخامس: أن يكون المراد بالجبال الرواسي الأنبياء والأولياء والعلماء، وبالأرض الدنيا. أما وجه التجوز بالجبال عن الأنبياء والعلماء فلان الجبال لما كانت على غاية من الثبات والاستقرار مانعة لما يكون تحتها من الحركة والاضطراب عاصمة لما يلتجئ إليها من الحيوان عما يوجب له الهرب فيسكن بذلك اضطرابه وقلقلته أشبهت الأوتاد من بعض هذه الجهات. ثم لما كانت الأنبياء والعلماء هم السبب في انتظام أمور الدنيا وعدم اضطراب أحوال أهلها كانوا كالأوتاد للأرض، فلا جرم صحت استعارة لفظ الجبال لهم، ولذلك صح في العرف أن يقال: فلان جبل منيع يأوي إليه كل ملهوف إذا كان يرجع إليه في المهمات والحوائج، والعلماء أوتاد الله في الأرض.
الوجه السادس: أن يكون المقصود من جعل الجبال كالأوتاد في الأرض أن يهتدى بها إلى طرقها والمقاصد فيها، فلا تميد جهاتها المشتبهة بأهلها ولا تميل بهم فيتيهون فيها عن طرقهم ومقاصدهم. وهذه الوجوه الثلاثة ذكرها بعض المتعسفين، و هذا دأبه في أكثر الآيات والاخبار حيث يؤولها بلا ضرورة داعية وعلة مانعة عن القول بظاهرها، وهل هذا إلا افتراء على مالك يوم الدين، وافتراء على حجج رب العالمين؟!.
الوجه السابع: أن يقال: المراد بالأرض قطعاتها وبقاعها لا مجموع كرة الأرض وبكون الجبال أوتادا لها أنها حافظة لها عن الميدان والاضطراب بالزلزلة ونحوها إما لحركة البخارات المحتقنة في داخلها بإذن الله تعالى، أو لغير ذلك من الأسباب التي يعلمها مبدعها ومنشئها. وهذا وجه قريب ويؤيده ما سيأتي في باب الزلزلة من حديث ذي القرنين.
أقول: وأما حديث ذي القرنين والسد وغيره من أحواله فقد مضى في المجلد الخامس في باب أحواله، ولنذكر هنا بعض ما مضى برواية أخرى:
قال الثعلبي في العرائس: روى وهب بن منبه وغيره من أهل الكتب قالوا: