فيها نور معرفة الله، ويشرق فيها ضوء كبريائه، وهو الذي يطلع على أسرار عالمي الخلق والامر، ويحيط بأقسام مخلوقات الله من الأرواح والأجسام كما هي، وهذه القوة من سنخ الجواهر القدسية، والأرواح المجردة الإلهية، فهذه القوة لا نسبة لها في الشرف والفضل إلى تلك القوى الخمسة النباتية والحيوانية، وإذا كان الامر كذلك ظهر أن النفس الانسانية أشرف النفوس الموجودة في هذا العالم.
وأما بيان أن البدن الانساني أشرف أجسام هذا العالم فالمفسرون ذكروا أشياء:
أحدها: روى ميمون بن مهران عن ابن عباس في قوله " ولقد كرمنا بني آدم " قال: كل شئ يأكل بفيه إلا ابن آدم، فإنه يأكل بيديه. عن الرشيد أنه أحضرت الأطعمة عنده، فدعا بالملاعق وعنده أبو يوسف فقال له: جاء في تفسير (1) قوله تعالى " ولقد كرمنا بني آدم ": وجعلنا لهم أصابع يأكلون بها، فأحضرت الملاعق فردها وأكل بأصابعه.
وثانيها: قال الضحاك: بالنطق والتميز (2) وتحقيق الكلام أن من عرف شيئا فإما أن يعجز عن تعريف غيره كونه عارفا بذلك الشئ أو يقدر على هذا التعريف أما القسم الأول فهو جملة حال الحيوان سوى الانسان، فإنه إذا حصل في باطنها ألم أو لذة فإنها تعجز عن تعريف غيرها تلك الأحوال تعريفا تاما وافيا. وأما القسم الثاني فهو الانسان، فإنه يمكنه تعريف غيره كل ما عرفه ووقف عليه وأحاط به فكونه قادرا على هذا النوع من التعريف هو المراد بكونه ناطقا. وبهذا البيان يظهر أن الانسان الأخرس داخل في هذا الوصف، لأنه وإن عجز عن تعريف غيره ما في قلبه بطريق اللسان فإنه يمكنه ذلك بطريق الإشارة وبطريق الكتابة وغيرهما، ولا يدخل فيه الببغاء، لأنه وإن قدر على تعريفات قليلة فلا قدرة له على تعريف جميع الأحوال على سبيل الكمال والتمام.
وثالثها: قال عطاء بامتداد القامة. واعلم أن هذا الكلام غير تمام، لان