على الأنبياء عليهم السلام. وتعلقوا بقوله تعالى: " ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا (1) " قالوا:
وليس بعد بني آدم مخلوق يستعمل في الخبر عنه لفظة " من " التي لا تستعمل إلا في العقلاء إلا الجن والملائكة، ولما لم يقل: وفضلناهم على من، بل قال: على كثير ممن خلقنا، علم أنه إنما أخرج الملائكة عمن فضل بني آدم عليه، لأنه لا خلاف في بني آدم أنه أفضل من الجن، وإذا كان وضع الخطاب يقتضي مخلوقا لم يفضل بنو آدم (2) فلا شبهة في أنهم الملائكة. وتعلقوا بقوله تعالى " ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك (3) " فلولا أن حال الملائكة أفضل من حال النبي لما قال ذلك.
فيقال لهم في ما تعلقوا به أولا: لم زعمتم أن قوله تعالى " إلا أن تكونا ملكين " معناه: أن تصيرا أو تتقلبا إلى صفة الملائكة؟ فإن هذه اللفظة ليست بصريح لما ذكرتم بل أحسن الأحوال أن تكون محتملة له، وما أنكرتم أن يكون المعنى أن المنهي عن تناول الشجرة غيركما، وإذا النهي يختص الملائكة والخالدين دونكما، ويجري ذلك مجرى قول أحدنا لغيره: ما نهيت عن كذا إلا أن تكون فلانا، وإنما يعني أن المنهي هو فلان دونك، ولم يرد: إلا أن تتقلب فتصير فلانا، ولما كان غرض إبليس إيقاع الشبهة لهما فمن أوكد الشبهة إيهامهما أنهما لم ينهيا وإنما المنهي غيرهما.
ومن وكيد ما تفسد به هذه الشبهة أن يقال: ما أنكرتم أن يكونا رغبا في أن ينقلا إلى صفة الملائكة وخلقهم كما رغبهما إبليس في ذلك، ولا تدل هذه الرغبة على أن الملائكة أفضل منهما، لأنه بالتقلب إلى خلقة غيره لا يتقلب ولا يتغير الحقيقة بانقلاب الصورة والخلق، فإنه إنما يستحق الثواب على الاعمال دون الهيئات (4) وغير ممتنع أن