وأرذل ممن آثره بدونه، لان إيثار الشئ مع وجود المضاد والمنافي أرجح وأبلغ من إيثاره بدونه، فيلزم أن يكون من آثر الكمال مع التمكن من النقصان أفضل وأكمل ممن آثره بدونه.
وأما التمسك بقوله [تعالى] " ولقد كرمنا بني آدم " والتكريم المطلق لاحد الأجناس يشعر بفضله على غيره، فضعيف، لان التكريم لا يوحب التفضيل سيما مع قوله تعالى " وفضلناهم على كثير ممن خلقنا " فإنه يشير بعدم التفضيل على القليل وليس غير الملائكة بالاجماع، كيف وقد وصف الملائكة أيضا بأنهم عباد مكرمون.
ثم قال: واحتج المخالفون أيضا بوجوه نقلية وعقلية:
أما النقليات فمنها قوله تعالى " ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون (1) " خصهم بالتواضع وترك الاستكبار في السجود، وفيه إشارة إلى أن غيرهم ليس كذلك وأن أسباب التكبر والتعظم حاصلة لهم; ووصفهم باستمرار الخوف وامتثال الأوامر ومن جملتها اجتناب المنهيات.
ومنها: قوله [تعالى] " ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون يسبحون الليل والنهار لا يفترون (2) " وصفهم بالقرب والشرف عنده، وبالتواضع و المواظبة على الطاعة والتسبيح.
ومنها قوله تعالى " بل عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون - إلى أن قال - وهم من خشيته مشفقون (3) " وصفهم بالكرامة المطلقة والامتثال والخشية وهذه الأمور أساس كافة الخيرات.
والجواب: أن جميع ذلك إنما يدل على فضيلتهم لا على أفضليتهم لا سيما على الأنبياء.