لما شاهدوا من اللوح وحصلوا في الأزمنة المتطاولة بالتجارب والانظار المتوالية.
الثالث: قوله تعالى: " إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين (1) " وقد حض من آل إبراهيم وآل عمران غير الأنبياء بدليل الاجماع فيكون آدم ونوح وجميع الأنبياء مصطفون (2) على العالمين الذين منهم الملائكة، إذ لا مخصص للملائكة من العالمين، ولا جهة لتفسيره بالكثير من المخلوقات.
الرابع: أن للبشر شواغل عن الطاعات العلمية والعملية، كالشهوة والغضب وسائر الحاجات الشاغلة والموانع الخارجة والداخلة، فالمواظبة على العبادات وتحصيل الكمالات بالقهر والغلبة على ما يضاد القوة العاقلة يكون أشق وأفضل وأبلغ في استحقاق الثواب. ولا معنى للأفضلية سوى استحقاق الثواب والكرامة.
لا يقال: لو سلم انتفاء الشهوة والغضب وسائر الشواغل في حق الملائكة فالعبادة مع كثرة البواعث والشواغل إنما يكون أشق وأفضل من الأخرى إذا استويا في المقدار وباقي الصفات، وعبادة الملائكة أكثر وأدوم. فإنهم يسبحون الليل والنهار لا يفترون والاخلاص الذي به القوام والنظام واليقين الذي هو الأساس والتقوى التي هي الثمرة فيهم أقوى وأقوم، لان طريقهم العيان لا البيان والمشاهدة لا المراسلة.
لأنا نقول: انتفاء الشواغل في حقهم مما لا ينازع فيه أحد، ووجود المشقة والألم في العبادة والعمل عند عدم المنافي والمضاد مما لا يعقل قلت أو كثرت، وكون باقي الصفات في حق الأنبياء أضعف وأدنى مما لا يسمع ولا يقبل. وقد يتمسك بأن للملائكة عقلا بلا شهوة، وللبهائم شهوة بلا عقل، وللإنسان كليهما، فإذا ترجح شهوته على عقله يكون أدنى من البهائم لقوله تعالى " بل هم أضل " (3) "، فإذا ترجح عقله على شهوته يجب أن يكون أعلا من الملائكة، وهذا عائد إلى ما سبق لان تمام تقريره هو أن الكافر آثر النقصان مع التمكن من الكمال، وكل من فعل كذا فهو أضل