اختلفوا في أنه لما صارت الجبال سببا لسكون الأرض على أقوال، وذكروا لذلك وجوها ولنذكر بعضها:
الأول: ما ذكره الفخر الرازي في تفسيره: أن السفينة إذا ألقيت على وجه الماء فإنها تميل (1) من جانب إلى جانب وتضطرب فإذا وقعت الاجرام الثقيلة فيها استقرت على وجه الماء، فكذلك لما خلق الله تعالى الأرض على وجه الماء اضطربت ومادت، فخلق الله تعالى عليها هذه الجبال ووتدها بها فاستقرت على وجه الماء بسبب ثقل الجبال. ثم قال: لقائل أن يقول: هذا يشكل من وجوه:
الأول أن هذا المعلل إما أن يقول بأن حركات الأجسام بطباعها أو يقول ليست بطباعها بل هي واقعة بإيجاد الفاعل المختار إياها، فعلى التقدير الأول نقول: لاشك أن الأرض أثقل من الماء، والأثقل يغوص في الماء ولا يبقى طافيا عليه فامتنع أن يقال: إنها كانت تميد وتضطرب بخلاف السفينة فإنها متخذة من الخشب وفي داخل الخشب تجويفات غير مملوءة (2) فلذلك تميد وتضطرب على وجه الماء، فإذا أرسيت بالأجسام الثقيلة استقرت وسكنت فظهر الفرق. وأما على التقدير الثاني وهو أن يقال ليس للأرض والماء طبائع توجب الثقل والرسوب، والأرض إنما تنزل لان الله تعالى أجرى عادته بجعلها كذلك، وإنما صار الماء محيطا بالأرض لمجرد إجراء العادة ليس ههنا طبيعة للأرض ولا للماء توجب حالة مخصوصة، فنقول: على هذا التقدير علة سكون الأرض هي أن الله تعالى يخلق فيها السكون وعلة كونها مائدة مضطربة هو أن الله تعالى يخلق فيها الحركة، فيفسد القول بأن الله تعالى خلق الجبال لتبقى الأرض، ساكنة فثبت أن التعليل مشكل على كلا التقديرين.
الاشكال الثاني: أن إرساء الأرض بالجبال إنما يعقل لأجل أن تبقى الأرض على وجه الماء من غير أن تميد وتميل من جانب إلى جانب، وهذا إنما يعقل إذا كان الذي استقرت الأرض على وجهه واقفا. فنقول: فما المقتضي لسكونه في ذلك الحيز