بعد التعلق بالبدن بالصفات البهيمية والعلائق الدنية (1) فقد تنزل من أعلى عليين إلى أسفل سافلين، فهم باقون في تلك الدركات منهمكون في تلك التعلقات " إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات " فإنهم نفضوا عن أذيالهم أدناس تلك النشأة الفانية، واختاروا الدرجات العالية، فرجعوا إلى النشأة الأولى وتعلقت أرواحهم بالملأ الأعلى، فصاروا أشرف من الملائكة المقربين، وسكنوا في غرفات الجنان آمنين.
" باسم ربك الذي خلق " أي جميع المخلوقات على مقتضى حكمته. وعن الباقر عليه السلام: خلق نورك القديم قبل الأشياء " من علق " أي من دم جامد بعد النطفة " الذي علم بالقلم " قال علي بن إبراهيم علم الانسان بالكتابة (2) التي بها يتم أمور الدنيا في مشارق الأرض ومغاربها (3). " علم الانسان ما لم يعلم " من أنواع الهدى و البيان، وقال علي بن إبراهيم: قال: يعني علم عليا من الكتابة لك ما لم يعلم قبل ذلك (4). قيل: عدد سبحانه مبدأ أمر الانسان ومنتهاه إظهارا لما أنعم عليه من نقله من أخس المراتب إلى أعلاها تقريرا لربوبيته وتحقيقا لأكرميته.
فائدة: اعلم أن المسلمين اختلفوا في تفضيل الملائكة على البشر أو العكس، فذهب أكثر الأشاعرة إلى أن الأنبياء أفضل من الملائكة، وصرح بعضهم بأن عوام البشر من المؤمنين أفضل من عوام الملائكة، وخواص الملائكة أفضل من عوام البشر أي غير الأنبياء، وذهب أكثر المعتزلة إلى أن الملائكة أفضل من جميع البشر، ولا خلاف بين الامامية في أن الأنبياء والأئمة عليهم السلام أفضل من جميع الملائكة، والاخبار في ذلك مستفيضة أوردنا [ها] في كتاب النبوة وسائر مجلدات الحجة، وأما سائر المؤمنين ففي فضل كلهم أو بعضهم على جميع الملائكة أو بعضهم، فلا يظهر من الآيات والاخبار ظهورا بينا يمكن الحكم بأحد الجانبين، فنحن فيه من المتوقفين.
قال الشيخ المفيد - قدس الله سره (5) - في كتاب المقالات: اتفقت الامامية على أن أنبياء الله ورسله من البشر أفضل من الملائكة، ووافقهم على ذلك أصحاب