فيه أن تدخل علينا من غير مانع ولا دافع، فكان يتردد إليه إلى ليلة تسع عشرة وكان قد عرف المكان الذي يصلي فيه معاوية، فلما أذن المؤذن للفجر وأتى معاوية المسجد ودخل محرابه ثار إليه بالسيف وضربه، فراغ عنه، فأراد ضرب عنقه فانصاع عنه (1) فوقع السيف في أليته، وكانت ضربته ضربة جبان، فقال معاوية: لا يفوتنكم الرجل، فاستخلف بعض أصحابه للصلاة، ونهض إلى داره. وأما العنبري فأخذه الناس وأوثقوه وأتوا به إلى معاوية وكان مغشيا عليه، فلما أفاق قال له: ويلك يا لكع لقد خاب ظني فيك، ما الذي حملك على هذا؟ فقال له: دعني من كلامك اعلم أننا ثلاثة تحالفنا على قتلك وقتل عمرو بن العاص وعلي بن أبي طالب، فإن صدق صاحباي فقد قتل علي وعمرو، وأما أنت فقد روغ أجلك كروغك الثعلب (2)!
فقال له معاوية: على رغم أنفك! فأمر به إلى الحبس، فأتاه الساعدي وكان طبيبا فلما نظر إليه قال له: اختر إحدى الخصلتين: إما أن أحمي حديدة فأضعها موضع السيف، وإما أن أسقيك شربة تقطع منك الولد وتبرأ منها، لان ضربتك مسمومة فقال معاوية: أما النار فلا صبر لي عليها، وأما انقطاع الولد فإن في يزيد وعبد الله ما تقر به عيني! فسقاه الشربة فبرئ ولم يولد له بعدها.
وأما ابن ملجم لعنه الله فإنه سار حتى دخل الكوفة، واجتاز على الجامع وكان أمير المؤمنين عليه السلام جالسا على باب كندة، فلم يدخله ولم يسلم عليه، وكان إلى جانبه الحسن والحسين عليهما السلام، ومعه جماعة من أصحابه، فلما نظروا إلى ابن ملجم وعبوره قالوا: ألا ترى إلى ابن ملجم عبر ولم يسلم عليك؟ قال: دعوه فإن له شأنا من الشأن، والله ليخضبن هذه من هذه - وأشار إلى لحيته وهامته - ثم قال:
ما من الموت لإنسان نجاء * كل امرئ لا بد يأتيه الفناء تبارك الله وسبحانه * لكل شئ مدة وانتهاء