ثم رقد هنيئة وانتبه مرعوبا، وجعل يمسح وجهه بثوبه، ونهض قائما على قدميه وهو يقول: " اللهم بارك لنا في لقائك " ويكثر من قول: " لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " ثم صلى حتى ذهب بعض الليل، ثم جلس للتعقيب، ثم نامت عيناه وهو جالس، ثم انتبه من نومته مرعوبا.
قالت أم كلثوم: كأني به وقد جمع أولاده وأهله وقال لهم: في هذا الشهر تفقدوني، إني رأيت في هذه الليلة رؤيا هالتني وأريد أن أقصها عليكم، قالوا:
وما هي؟ قال: إني رأيت الساعة رسول الله صلى الله عليه وآله في منامي وهو يقول لي: يا أبا الحسن إنك قادم إلينا عن قريب، يجئ إليك أشقاها فيخضب شيبتك من دم رأسك، وأنا والله مشتاق إليك، وإنك عندنا في العشر الآخر من شهر رمضان، فهلم إلينا فما عندنا خير لك وأبقى، قال: فلما سمعوا كلامه ضجوا بالبكاء والنحيب وأبدوا العويل، فأقسم عليهم بالسكوت فسكتوا، ثم أقبل يوصيهم ويأمرهم بالخير وينهاهم عن الشر، قالت أم كلثوم: ولم يزل تلك الليلة قائما وقاعدا وراكعا وساجدا، ثم يخرج ساعة بعد ساعة يقلب طرفه في السماء وينظر في الكواكب وهو يقول:
والله ما كذبت ولا كذبت، وإنها الليلة التي وعدت بها، ثم يعود إلى مصلاه ويقول:
اللهم بارك لي في الموت، ويكثر من قول: " إنا لله وإنا إليه راجعون " " ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم " ويصلي على النبي وآله، ويستغفر الله كثيرا.
قالت أم كلثوم: فلما رأيته في تلك الليلة قلقا متململا كثير الذكر والاستغفار أرقت معه ليلتي وقلت: يا أبتاه ما لي أراك هذه الليلة لا تذوق طعم الرقاد؟ قال:
يا بنية إن أباك قتل الابطال وخاض الأهوال وما دخل الخوف له جوف (1)، وما دخل في قلبي رعب أكثر مما دخل في هذه الليلة، ثم قال: إنا لله وإنا إليه راجعون فقلت: يا أباه مالك تنعي نفسك منذ الليلة؟ قال: يا بنية قد قرب الاجل وانقطع الامل، قالت أم كلثوم: فبكيت فقال لي: يا بنية لا تبكين فإني لم أقل ذلك إلا