بقي الدهر، أعيانهم مفقودة وأمثالهم في القلوب موجودة، هاه هاه إن هاهنا علما جما - وأشار بيده إلى صدره - لو أصبت له حملة، بل أصيب لقنا غير مأمون، يستعمل آلة الدين للدنيا، ويستظهر بحجج الله على أوليائه، وبنعمه على كتابه؟ أو منقادا للحكمة لا بصيرة له في إخباته، يقدح الشك له في قلبه بأول عارض من شبهة، ألا لا ذا ولا ذاك، فمنهوم (1) باللذات سلس القياد للشهوات، أو مغرم (2) بالجمع والادخار، ليسا من رعاة الدين، أقرب شبها بهما الأنعام السائمة، كذلك يموت العلم بموت حامليه، اللهم بلى، لا تخلو الأرض من حجة لك على خلقك، إما ظاهرا معلوما أو خائفا (مغمورا، لئلا) (3) تبطل حججك وبيناتك، وأين أولئك؟ الأقلون عددا، الأعظمون قدرا، بهم يحفظ الله تعالى حججه حتى يودعوها قلوب أشباههم، هجم بهم العلم على حقائق الإيمان، فاستلانوا روح اليقين، فأنسوا بما استوحش منه الجاهلون، واستلانوا ما استوعره المترفون، صحبوا الدنيا بأبدان أرواحها معلقة بالمحل الأعلى، أولئك خلفاء الله في أرضه، وحججه على عباده - ثم تنفس الصعداء وقال - هاه هاه، شوقا إلى رؤيتهم) ونزع يده عن يدي وقال لي: (انصرف إذا شئت) (4).
(٢٢٨)