أحدهما في الدنيا بسلوك سبيل الحق وإنتظام الأحوال فيه والآخر في الآخرة بسلوك سبيل الجنة والدخول فيها أو كلاهما في الآخرة أحدهما للنصرة في الدين والآخر للاجتهاد في العمل أو أحدهما التخلص من النار والآخر الدخول في الجنة أو أحدهما الدخول في الجنة والتنعم بنعيمها والآخر التلذذ باللذات الروحانية ومشاهدة أنوار العظمة الإلهية والتشرف بالفيوضات الربانية المعدة للأولياء الطالبين لوجه الله المعرضين عما سواه. (وبيض وجهي بنورك) يوم تسود فيه الوجوه وهو نور الطاعة والعبادة، أو نور من فيضه تعالى تنضر به وجوه المؤمنين، وتشرق كالشمس المضيئة ففيه طلب للنضرة والحسن والجمال.
(واجعل رغبتي فيما عندك) من التفضلات الجليلة والمثوبات الجزيلة والكرامات الجميلة وعلامة ذلك الاشتغال بأنحاء العبودية وقطع الطمع عما في أيدي الناس من الزهرات الدنيوية (وتوفني في سبيلك على ملتك وملة رسولك) أي توفني وأنا على هذا الوصف. وسبيل الله عام يقع على كل عمل خالص يتقرب به إلى الله تعالى ويطلق كثيرا ما على الجهاد حتى كأنه مقصور عليه. والملة بالكسر الدين.
(اللهم إني أعوذ بك من الكسل والهرم) الكسل التثاقل عن الشيء والفتور فيه والهرم محركة أقصى الكبر وإنما إستعاذ (عليه السلام) منهما لأن الأول يوجب ثقل الحق والفتور في أدائه والثاني يوجب الخرف وإختلال الحواس والعقل وعدم العلم وتشويه المنظر وكثرة المشقة وهذا منه (عليه السلام) تعليم للامة. (والجبن والبخل) الجبن صفة للنفس توجب عدم الإقدام على الشيء والبخل صفة لها يوجب منعها عن إعطاء ما ينبغي واستعاذ (عليه السلام) منهما لما فيهما من التقصير عن القيام بالحقوق وترك الغلظة على أهل المعاصي إذ بشجاعة النفس يقيم الحدود والحقوق وينصر المظلوم، وبالكرم يؤدي حقوق المال ويواسي منه ويلم به شعث المساكين، ثم استعاذته (عليه السلام) من أمثال هذه الامور مما علم براءة ساحة عصمته عنها يشعر بجواز الدعاء فيما علمت السلامة منه وذلك لأن للدعاء فائدتين: الاولى تحصيل المطلوب، والثانية كونه عبادة وإظهارا للعجز والعبودية فإن انتفت الأولى تبقى الثانية، ودعاؤه (عليه السلام) من هذا القبيل مع ما فيه من أنه تعليم للامة. (والغفلة والقسوة) الغفلة صفة للقلب يوجب ترك الحق وعدم ذكر الموت وما بعده والميل إلى الباطل وحب الدنيا، والقسوة الصلابة والغلظة، والقلب القسي القلب الغليظ الردي الذي يقرب من الشر ويبعد من الخير.
(والفترة والمسكنة) الفترة ضد الحدة وهو ضعف القلب عن تحصيل العلم والعمل والقيام بالأحكام والحدود، ورعاية الحقوق والمسكنة فقر النفس عن متاع الآخرة أو عن متاع الدنيا الذي