وحاصل المعنى حينئذ: أن الله تعالى أذن لكم بالتداوي، وجعل لكل داء دواء، فإذا كان في ذلك الدواء شئ محرم وعلمتهم به الشفاء فقد زالت حرمة استعماله، لأنه تعالى لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم. قوله: (دل عليه إلخ) أقول: فيه نظر، لان إساغة اللقمة بالخمر وشربه لإزالة العطش إحياء لنفسه متحقق النفع، ولذا يأثم بتركه كما يأثم بترك الاكل مع القدرة عليه حتى يموت، بخلاف التداوي ولو بغير محرم فإنه لو تركه حتى مات لا يأثم كما نصوا عليه لأنه مظنون كما قدمناه . تأمل. قوله: (وقد قدمناه) أي أول الحظر والإباحة حيث قال: الاكل للغذاء والشرب للعطش ولو من حرام أو ميتة أو مال غير وإن ضمنه فرض اه.
تتمة: لا بأس بشرب ما يذهب بالعقل فيقطع الأكلة ونحوه. تاترخانية. وسيأتي تمامه في آخر كتاب الأشربة. قوله: (وجاز رزق القاضي) الرزق بالكسر ما ينتفع به، وبالفتح المصدر قاموس.
قوله: (وإلا لم يحل) قال في النهاية: وأما إذا كان حراما جمع بباطل لم يحل أخذه، لان بيل الحرام والغصب رده على أهله، وليس ذلك بمال عامة المسلمين اه.
أقول: ظاهر العلة أن أهله معلومون فحرمة الاخذ منه ظاهرة، فإن لم يعلموا فهو كاللقطة يوضع في بيت المال، ويصرف في مصارف اللقطة، فقد صرحوا في الهداية والرشوة للقضاة ونحوهم أنها ترد على أربابها إن علموا، وإلا أو كانوا بعيدا حتى تعذر الرد ففي بيت المال، فيكون حكمه حكم اللقطة كما تقدم في كتاب القضاء. تأمل. قوله: (في كل زمان) متعلق بتقدير أو بيكفيه: أي يقدر بقدر كفايته في كل زمان، لان المؤنة تختلف باختلاف الزمان. قوله: (ولو غنيا في الأصح) عبارة الهداية: ثم القاضي إذا كان فقيرا فالأفضل بل الواجب الاخذ، لأنه لا يمكنه إقامة فرض القضاء إلا به، إذ الاشتغال بالكسب يقعده عن إقامته، وإن كان غنيا فالأفضل الامتناع على ما قيل رفقا ببيت المال، وقيل الاخذ، وهو الأصح صيانة للقضاء عن الهوان، ونظرا لمن تولى بعده من المحتاجين، لأنه إذا انقطع زمانا تعذر إعادته. قوله: (وهذا لو بلا شرط إلخ) بأن تقلد القضاء ابتداء من غير شرط، ثم رزقه الوالي كفايته، أما إن قال ابتداء: إنما أقبل القضاء إن رزقني الوالي كذا بمقابلة قضائي، وإلا فلا أقبل فهو باطل، لأنه استئجار على الطاعة اه. كفاية. قوله: (فلم تجز) أي الأجرة عليه: أي لم يجز أخذها.
قوله: (يحرر) أقول: قدمنا تحريره في كتاب الإجارات بما لا مزيد عليه، وبينا أن كلام المتأخرين ليس عاما في كل طاعة بل فيما فيه ضرورة كتعليم القرآن والفقه والإمامة والاذان. قوله: (وجاز سفر الأمة) لان الأجانب في حق الإماء فيما يرجع إلى النظر والمس بمنزلة المحارم. هداية. قوله: (وأم الولد إلخ) عطف خاص على عام. قال الزيلعي: وأم الولد أمة لقيام الرق فيها، وكذا المكاتبة لأنها مملوكة الرقبة، وكذا معتقه البعض عند أبي حنيفة لأنها كالمكاتبة عنده اه.
وفيه إشارة إلى أن الحرة، لا تسافر ثلاثة أيام بلا محرم. واختلف فيما دون الثلاث وقيل: إنها